د. لارا منير حدادين
هناك في أقصى الشمال شابٌ عشريني يحمل بندقيته على كتفهِ ويقف مرابطاً في مكانه تماماً كما أتته الأوامر. الشمس تلفح وجهه الحنطي وترسم بجانب عينيه خطوطاً خفيفة سوف يعمل الزمن على تحديدها أكثر. يرتدي خوذته وزيه العسكري بكل اعتزاز. يقف بشموخ يحمل على ساعده الأيمن رتبته العسكرية بكل شرف وعلى ساعده الأيسر يستقر العلم الأردني بكل فخر، وفي قلبه الشاب عشق كبير بحجم الوطن.
ينظر إلى السماء فيرى أن شمس تموز قد تربعت في كبدها. يرفع رجله اليسرى لبضع ثوانٍ ثم ينزلها ثم يرفع اليمنى محاولاً أن يقوم بتمرين بسيط يعينه على تحمل الساعات الثلاثة الباقية من خفارته.
يقف معتداً بإيمانه الراسخ رغم انهاك الصيف بأن الوطن هو العشق الأكبر. قلبه فيه متسع للوطن ولأمه الغالية ولحبيبته شيماء. شيماء جارة الطفولة التي نما حبها في قلبه منذ الصغر. لقد وعدته والدته أن تكلم والدتها بخصوصهما وسيخطبها على العيد. ابتسم ولمعت عيناه حين تذكر أنه باقٍ للعيد خمسة عشر يوماً، واتسعت ابتسامته أكثر حين تذكر عبد الرازق آخر مقابله له مع شيماء عند موقف الباص في قريته حين جاءت لتوديعه على استحياء قبل أن يلتحق بكتيبته الأسبوع الماضي. قالت له بابتسامةٍ خجلى:'بستناك ترجع لو بعد مية سنة' وقال هو على عجالى عندما سمع صوت الباص العسكري يقترب:'شيماء حكيت لأمي عنا، هي بتحكي مع أمك وعلى العيد إن شاءالله بنخطب'.
هذا الحب الذي يملأ قلبه هو الدافع الذي يجعله يلتزم بمكانه بالرغم من قيظ الصيف وحر الشمس وصعوبة الصيام الذي يطول في نهارات تموز الحارقة.
الأردن هي عشقه الأول هو العشق الذي تربّى عليه. كان والده عسكرياً من قبله وكان يرى كيف كانت أمه تنتظره ليالٍ طوال حين يعود من مناوباته. كان يحلم بالزي العسكري منذ صغره ويعرف أن الأردن حالةُ عشق وطريقةُ حياة.
ينظر إلى المدى البعيد سارحاً بنظره فإذ به يسمع آذان الظهر يملأ الآفاق. يضع بندقيته جانباً ويقف باتجاه الجنوب يواجه القبلة ويصلي بخشوع ساجداً يلامس بجبهته التراب الذي يحمي.
جندي أول عبد الرزاق هو واحد من مئات الجنود الأردنيين المرابطين على الحدود الأردنية باتجاهاتها الأربعة. شمس تموز تلفح وجوههم وظمأ رمضان يجفف عروقهم مع ذلك بقوة إيمانهم بالله والوطن والملك هم يقفون باعتزاز في مواقعهم لننعم نحن برغد الأمان. يحتملون صعوبة التمترس في مواقعهم الخطرة لنكون نحن في بيوتنا معززين مكرمين. لا يبالون الوحدة ويتناول كل منهم إفطاره البسيط بعد يومٍ رمضانيٍّ طويل بينما نحن نجلس في راحة بيوتنا مع عائلاتنا نتشارك لقمةً هنية.
جنودٌ لكلٍ منهم قصته. لكلٍ منهم وجعه ولكل منهم أيضاً حزنه وفرحه. هناك في الأطراف المترامية أم تنتظر بقلق ولدها وزوجةٍ تحاول أن تلهي أبناءها لحين عودة والدهم، وهناك أيضاً حبيبةٌ تنتظر أن يطل خيال حبيبها بزيهه العسكري قيرقص قلبها فرحاً.
لكلٍ منهم هناك حياة مليئة بالأشخاص والأحداث يتركها كلها وراءه لإيمانه بوطنٍ يسري في عروقه دماً .. وطن رضعَ حليبه تراباً وملأ هواءه رئتيه بالحرية.
لكل هؤلاء الجنود المرابطين على الحدود قصة.. لكن لهم كلهم عشقٌ واحد هو عشق الوطن.
لهم باقةٌ من محبة لأنهم يعلموننا كل يوم معنى الولاء ويعطون لكلمة إنتماء معناها الحقيقي.
جنود الوطن.... لأن الوطن مرسوم على وجوهكم الملفوحة.. مكتوبٌ بنبضات قلوبكم الصادقة.. لأن الأردن هو أنتم بكل كبرياء.... لكم كل الشكر.
14 تموز 2013
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو