السبت 2024-12-14 09:55 ص
 

حصاننا المضبوع

07:38 ص

يستخدم الصينيون تقويماً قمرياً، يتكرر كل اثني عشر عاماً. فحسب الأسطورة أن (دزينة) حيوانات مخلصة أسرعت إلى سرير (بوذا) فور معرفتها بموته، ولتكريم هذه الحيوانات عمد الصينيون إلى تسمية السنوات بأسمائها، حسب ترتيب وصولها.اضافة اعلان

كانت البقرة أول الواصلين، لكن الفأر الذكي، كان ممتطياً ظهرها بالخفاء، وعندما اقتربت من بوذا انزلق عن رأسها، وكان الأول، والبقرة ثانيا، ثم النمر، فالأرنب، فالتنين فالثعبان، فالحصان، فالخروف، فالقرد، فالدجاجة فالكلب فالخنزير البري، وبعد الخنزير تبدأ السنوات بالفأر مرة أخرى!!.
قبل يومين دخلنا عالم الحصان، الذي لا يتفاءل به الصينيون، ولو أن في أفقنا العربي بارقة أمل لتفاءلنا بدلاً عنهم، فهو رمز عربي أصيل، ولكن غيوم الشؤم، وغبار القتل، والتهجير والتفجير والطغيان تحيل هذا الرمز إلى كديش مضبوع، فالعرب تسمي السنة المجدبة القاحلة ذات الدم بسنة الضبع. وأي جدب أكثر مما حولنا؟!.
في موروثنا أن الضبع تبُول على طرف ذيلها، ثم ترشق به وجه الضحية، فتفقد عقلها وصوابها في الحال، أي تنضبع للضبع، وتسير وراءها، ولفرط انقيادها، وفقدانها للسيطرة، كانت الضحية تتبع الضبع وتنادي بشوق وحرقة: انتظرني يا أبي، انتظرني!.
الضبع في هذه الأثناء تخمعُ أمام الضحية (أي تمشي بعرج)، وكل حين تنظر خلفها؛ لتطمئن أن صيدها الثمين الرخيص، ما زال يتبعها؛ ليكون وليمة سائغة، وكان يصدف أن ترتطم جبهة الإنسان الضحية بصخرة الوكر الواطئة؛ فينز الدم؛ ويصحو المضبوع من غفلته، وينتبه من انصباعه وانقياده، وقد يهرب مولياً، أو يجرؤ ويقتل الضبع ليريح منها العالمين!.
حصاننا العربي تكدش وانضبع منذ وهن بعيد. ونحن مضبوعون أكثر لهذا الزمن الرديء، مع فارق أننا ننضبع بلا ضبع تضبعنا، فنمشي، أو نزحف، هائمين على وخزات المهاميز والوجع والنجيع، دون أمل أن نعثر بصخرة أقل انخفاضاً من جبهاتنا، نستعيد بها صوابنا أو صحونا.
الشعارات الطنانة الرنانة ضبعتنا طويلاً، ونطحتنا أطول. واليافطات الثقيلة، التي كنّا نرفعها في وجه عالم لم يعد يؤمن إلا بالقوة، بودنا لو نسترد قماشها الثمين، ليكونَ أكفاناً لأجسادٍ باهتة هدّها التعفن.
الوهم هزمنا طويلاً، وضبعنا بفلول جيشه؛ فسقطنا في أحذيتنا لاهثين وراء سراب، لا يوصلنا إلا إلى سراب جديد. فيا الله، كم نحتاج من يعيدنا إلى صوابنا، إلى صحوتنا. ونحتاج أن يصهل حصان في دمنا من جديد، ويحمحم بعد أن تكدش وانضبع للنير والحراثة والخنوع. نحتاج إلى من يضبع فينا الضبع!.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة