رحلة الى السودان الجنوبي ..

صبري ربيحات

بعد يوم طويل جبت فيه جبال وهضاب واغوار الاردن استقر بي المقام مساء اليوم في بلدة الفحيص.... البلدة التي حافظت على هويتها فلم تبتلعا عمان وجنون توسعها العمراني فبقيت رمزا للتعددية وسماحة اهلها وفيض حبهم ومختبر للقيم التي جرى صياغتها ونشرها وارسالها الى العالم في خطابات السفراء و عبرت عنها ممارسات الدولة في استضافة اللاجئين واغاثة المنكوبين ونشر كتائب حفظ السلام وظهرت في تقارير المندوبين عن اعياد الميلاد والمدن المتسلقة للجبال المطلة غربا ....اضافة اعلان

كنت اليوم حريصا على تلبية دعوة الصديقين الفنانين حسن السبايلة ورانيا اسماعيل لي ولزوجتي على العشاء عند السابعة والنصف مساءا... موعدنا في 'الزوادة ' ذلك المطعم التراثي الجميل في بلدة الفحيص الاجمل .
في هذا المساء سنحتفي معا بتكريم صديقهما انتوني كون سفير جمهورية جنوب السودان الجديد في الاردن .. بالنسبة لي الزوادة اكثر من مطعم وبيت تراثي فهو مكان يلتقي فيه الباحثون عن الراحة ومتعة الفن والطعام...
بعد رحلة سهلة للبلدة العتيقة والتدلي عبر الطرقات المضاء نصفها وصلنا الى المكان الذي يريحك النظر الى جدرانه وتؤنسك مداخله وانواره وتطربك اصوات الفنانين اللذين يغنيا باحساسهما اكثر من صوتيهما.....التقينا بالسفير السمح الدافيء المحب الذي قدم اوراق اعتماده للبلاط الملكي قبل يومين...ويتطلع الى تطوير علاقات بلده مع الاردن ومصر في كل المجالات التي تسمح بها امكانات البلدين.
في السودان الجنوبي سبع جامعات و30مليون راس ماشية وانهار تمر من معظم البلدات وزراعة ربما اكبر ئروة نباتية في العالم ...البترول والذهب والنحاس وعشرات المعادن..ونهضة تعليمية لا مثيل لها في بلدان الجوار ....الجيش السوداني الجنوبي يصل الى مئات الالاف....والاسلحة تنتشر بين يدي القبائل...وهناك اقبال صيني كوري افريقي تركي وغربي وتعاون مع كل دول العالم مع البلد الواعد الذي يحاول ان يجد طريقه نحو التصنيع والحداثة.
تحدثنا اليوم عن الاردن وتنوعه الثقافي وموروثه الحضاري وقدرته على ان يحافظ على امنه واستقراره في الاقليم المشتعل....للسفير تجربة واسعة في التخطيط والاعلام والسياسة واطلالة على اوضاع العالم وواقع الاقليم فقد كان يعمل دبلوماسيا في الخرطوم قبل الانفصال الذي احدثته سياسات وتعنت الاستبداد..
العالم العربي لا زال يعاني من الجهوية والطائفية في التخطيط والتوظيف والانفاق مما افقده ثقة بعض مكونات المجتمع...فالدول تحكمها الشلل والقبائل والطوائف والاحزاب والجماعات ...وفكرة المواطنة والمجتمع المدني وما يرتبط بها من قيم العدالة والحقوق وتكافؤ الفرص لا تزال غريبة عن الممارسات بالرغم من حديث الحكام عنها في المناسبات والخطب والبيانات.
المرأة في السودان الجنوبي لها مكانة مهمة ليس لأن الاتفاقيات الدولية تحض على ذلك بل لأنها قيمة اقتصادية كبرى عند الزواج وحتى بعد ان تتقدم في العمر...للمرأة المقبلة على الزواج مهرا غاليا يتحدد في ضوء مكانة اسرتها ..وقبيلتها ولا يقل عن مهر امها أضافة الى طولها وتعليمها....الرجل الذي ينوي الزواج يدفع ما لديه ويتقاسم اعمامه واخواله بقية المهر الذي غالبا مايكون رؤوسا من البقر قد تصل الى 300 رأس اذا كانت العروس ابنة قبيلة مهمة ومهر امها مرتفع وطويلة القامة.
تركيا هي البلد الاكثر منافسة على الاستثمار مع وجود الصين وكوريا بكثافة ...تطوير المطارات والمشاريع المائية والبنى التحتية والجسور والتكنولوجيا ومدن التعليم بعض من المشروعات التي تعمل عليها جهات الاستثمار في البلد الخصب البكر.
في المكان الجميل الذي يفيض بايجابية عالية فاجأتني زوجتي الجميلة بان طلبت للمغنيان ان يعلنا ان اليوم عيد ميلادي فغنيا لي هابي بيرث دي.. وغنت معهم الصالة وضيوفها المحبون ..الموقف استولى علي وفاجأني وتشرفت بتلقي تهاني العديد من الاصدقاء الحضور ..الاعلامي المرموق محمد الوكيل ..والدكتور معز الشهدي مدير بنك الطعام المصري وعشرات الايماءات والابتسامات والتهاني غمرتني بالحب فشكرا لزوجتي وصديقتي الرائعة ام عبداللطيف وللاصدقاء رانيا وحسن وضيف الاردن السفير كون ...ولاسرة مطعم الزوادة ....ولبلدة الفحيص التي لا زالت تقدم لنا فضاء رحب للتلاقي ولكل الزائرين ليشهدوا جمال ثقافتنا وحبنا وتسامحنا. اليوم احسست وكأنني تجولت في جوبا والولايات العشر الاخرى في جنوب السودان دون أن ابرح مكاني في سفح بلدة الفحيص المطلة على وادي شعيب..وبيت لحم والسلط.