الخميس 2024-12-12 06:40 ص
 

زلزال القدس: ماذا بعد .. ؟!

07:38 ص

الردود التي وصلتنا حتى الآن على قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس تبدو مفهومة ومشروعة، فقد خرج الشارع للتعبير عن غضبه واحتجاجه، كما أصدرت الحكومات بيانات رفض وإدانة، وبعد اجتماع وزراء الخارجية العرب سيجتمع اليوم الزعماء في قمة اسطنبول، كل هذا جزء من “واجب الوقت” الذي قمنا به، او قام به بعضنا، لكن يبقى الأهم من ذلك سؤالان: الأول لماذا حدث ذلك ولماذا فاجأنا ومن يتحمل مسؤوليته فعلا نحن ام ترامب،؟ اما السؤال الثاني فهو: ماذا بعد، أقصد ماذا سيترتب على القرار من تغييرات على صعيد القضية الفلسطينية وانعكاسات استحقاقاتها علينا، ثم كيف سنتعامل مع القرار ومع تداعياته ايضاً.

اضافة اعلان


الإجابة عن سؤال لماذا حدث ذلك لا تتعلق فقط بما فعله الآخرون بنا، ابتداء من واشنطن الى تل ابيب ومعهما الذين يبحثون عن مصالحهم في سياقات “لعبة الأمم” ? وانما ما فعلناه نحن بأنفسنا، ليس فقط على مدى السنوات الستة المنصرفة وما جرى فيها من محاولات لإجهاض إرادة الشعوب في التحرر والاستقلال ?ولكن على امتداد العقود الماضية التي فشلنا فيها بإقامة الدولة الوطنية والمشروع الوطني و”السوار” الإقليمي المتماسك.


لا احتاج -هنا- للتذكير بتفاصيل ما فعلناه كعرب بأنفسنا، يكفي ان ندقق فيما يحدث الآن في معظم اقطارنا العربية لنكتشف حجم الكارثة التي حلت بنا، فالدم العربي أصبح رخيصاً في المزادات العربية، والعواصم التي كانت تشكل “حواضر” الأمة سقطت وانهارت، والاصطفافات القائمة تعكس مدى الانحطاط السياسي الذي أصاب العقل العربي والعقل المسلم.


صحيح ان الجسد العربي تحرك انتصاراً للقدس التي تشكل في عمق الذاكرة الشعبية العربية “مرتكزاً” للتحرر والاستقلال، تحرك رغم المحاولات التي جرت لإسكاته بل ونعيه ايضاً، لكن الصحيح ان هذا الجسد ما زال بلا رأس، وبالتالي لا يملك الا التعبير عن غضبه ولا يستطيع ان يفعل أكثر مما فعل.


إذاً، ما فعلناه بأنفسنا كان أسوأ مما فعله الأخرون بنا، ليس هذا جلداً للذات ولا دعوة لليأس والقبول بالواقع، وانما للاعتراف بالخطأ ومحاولة تجاوزه، فلا مصالحات مع الذات من دون مصارحات، ولا سبيل للخروج من الكارثة الاّ بالتوافق على الحل وتحديد الوصفة اللازمة للعلاج.


يبقى السؤال الأخير: ماذا بعد؟ هنا يمكن الإشارة الى مسألتين، الأولى ان القرار الأمريكي اصبح واقعاً لا مجال لتغييره لأنه يعبر عن تحولات جوهرية في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، بما فيها القضية الفلسطينية، وبالتالي فإن السؤال عن التعامل معه والتقليل من تداعياته أفضل من الرهان على إلغائه، اما المسألة الثانية فهي ان خطر هذا القرار لا يكمن فقط في نقل السفارة وانما يتجاوزه لجهتين: إحداهما انه أعاد “ترتيب” أولويات المشروع الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة دون النظر لأي التزامات او علاقات تربطهما بالعرب والمسلمين، والآخر انه كشف “الظهر” السياسي العربي تماماً، ليس أمام الشعوب فقط وانما امام العالم ايضاً.


هنا يصبح من “اللاجدوى” ان نراهن على أي مستقبل للعرب كأمة، ولفلسطين كقضية وهوية، وللنظام السياسي العربي كهياكل قابلة للاستمرار، الا إذا توافقت القوميات الثلاث التي تشكل هوية المنطقة على إقامة حوار يجمع العرب والترك والفرس يضع على اجندته وقف الحروب والصراعات والتدخلات بينها، وإقامة نظام إقليمي يشكل سور حماية للجميع، وبناء اطر حقيقية للتعاون والتنسيق يؤهلها لمخاطبة العالم والتعامل معه “كقوة” إقليمية وليس كمحاور متصارعة.


قد يكون هذا مجرد “حلم” ولكنه ليس مستحيلاً، خاصة إذا أدرك الجميع ان “اقدامهم أصبحت في الفلكة” وان ما حدث للقدس سيكون زلزالاً يهز المنطقة كلها، ولن يسلم أحد من تبعاته.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة