السبت 2024-12-14 05:48 ص
 

صراع الشباب بين العلم و العمل

03:56 م

إسراء أبو جبارة - هناك عناية الهيّة تبدأ في حياة الإنسان حين يكون جنيناً.. و تنتهي عند العائلة فتبدأ الرعاية البشرية في تربية طفلها حتى مرحلة الشباب لتأهيله في كيفية التواصل مع الآخرين من خلال المجتمع الذي يفصله عن الأسرة و تلك المرحلة التي تسمى بالاستقلالية.. اضافة اعلان


فيستعجل الشباب بالمطالبة بالاستقلالية بعد سن البلوغ فيبدأ الصراع بين الطفولة و الشباب .. ويبدأ في تكوين شخصيته حسب قناعاته التي تم اقتباسها خلال مرحلة الطفولة و حتى البلوغ من الأسرة والمجتمع.. فإما يخرج إنساناً صالحاً و إما مشاكساً عنيفاً يؤثر سلبياً على بقية أفراد المجتمع بشتى فئاته.. يسمّى رفيق السوء لهؤلاء الذين يترعرعون في بيئة توفر لهم جميع احتياجاتهم من خلال بيئة نظيفة و عائلة مثقفة.. ويسمى عالة على المجتمع بسبب ضياعه و ممارسة ما تلقاه من بيئته السابقة و ترجمته بالسلوك، حيث لا يأبه بالقانون و النظام بسبب تقييد حريته فيمارسها بطريقته بعيداً عن التقييد لخلق الاستقلالية التي هي من أول أهدافه..

علينا أن نركز في إعادة تأهيل هؤلاء باحتضانهم وتوجيههم نحو الطريق الصحيح أساسه العلم والعمل ليصبح مواطناً ينتمي لوطن بحاجة إليه و ليس العكس .. و خاصة أنه سينبثق منه أجيال أخرى تمد يد العون للوطن فنداء الوطن أصبح مختلفاً.. ليطالب بالانتماء و الولاء و الدعم و التحمل و الصبر و وعود تُسرق من خلال الفساد.

بالمقابل، على الدولة أن تمد يد العون لهؤلاء.. فشعور الشباب على أن الوطن لا يتسع لهم و لا يؤمّن لهم الحياة المرجوّة التي تحقق أحلامهم.. فالصدمة الأولى هي ما يُسمى بـ (التوجيهي) والتوتر الذي يصيب الأسرة برمّتها من أجل حصوله على معدل يؤهله لدخول جامعة حكومية تحمل عنهم عبء الرسوم التي تتطلبها الجامعات الخاصة.. و يموت الحلم عندما يحصل على معدل لا يؤهله للالتحاق بها و الصدمة عندما لا يكون للأسرة المَقدرة في دفع الرسوم للجامعات الخاصة..

فما حجم الضرر الذي لحق بتلك العائلة و ما مقدار الإحباط الذي اصاب الشباب بعد كل هذا العناء..؟

من هنا تبدأ مرحلة الرغبة في رد الاعتبار و الانتقام لنفسه من خلال أخذ قسطاً من الراحة بعد كل ما تخطاه من صعوبات.. و خصوصاً أن الدولة لا تستطيع تأمين مواطنيها بالعلم و العلاج المجاني وتوفير فرص العمل لقلة المؤسسات و صغر حجمها.. فهي لا تستوعب الحجم الهائل بسبب التزايد السكاني واختلاف الجنسيات، فأصدرت قوانين و شروط للالتحاق بها من أجل الحد من لجوء المواطنين إلى مؤسساتها لعدم الاستيعاب.. و لا ننسى قانون التقاعد الذي يحتل الموظف الوظيفة لسنوات طويله.. و بسبب الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، تلجأ المؤسسات إلى تخفيض أعداد موظفيها و إعلان إفلاسها حتى لا تقوم بدفع مستحقاتهم مما ارتفعت نسبة البطالة و قل حجم العمل.. أما بالنسبة للأعداد الهائلة من المتخرجين تملأ الشواغر المتاحة بالطرقات و المقاهي ودور التسلية بسبب الإحباط الذي فرض عليهم..

الشريحة الكبرى الذي يجب احتضانها هي طبقة الفقراء الذين لا يملكون المال للتعليم و إنشاء شركة أو مشروع حتى لو صغيراً يوفر العيش الكريم لهم، و في حال توفر الفرص يصطدم بالقوانين.. أما المؤسسات الخاصة القائمة تستند على الإنتاج و الربح و تختصر سنواتها بالخبرة .. فمن لديه الخبرة من حديثي التخرج حتى تتقبله أنظمة القطاعات الخاصة و طمعها..؟

إن لجوء المستثمرين إلى الأردن كونه يتمتع بالأمن و كونه يتطور بصورة سريعة، فتأتي دور الدولة بوضع إعاقات لهؤلاء المستثمرين و فرض رسوم وشروط تثقل كاهل المستثمر مما يتراجع في إنشاء مشروعه و ينتقل بأمواله و إنتاجه إلى دولة اخرى.. فهناك العديد من المنشآت الصناعية أغلقت بسبب القانون الصارم .. مما ألقت بموظفيها إلى سوق البطالة الذي يتوسع حجمه.. فأصبح الشعب الأردني شعب مستهلك غير منتج.

فإذاً الدولة هي الأساس في تأمين حياة مواطنيها، و لكن ما نلمسه الآن هو رمي أعباء الدولة على المواطن وعدم استغلال مواردها للاستثمار و الإنتاج و فتح المجال للشباب للعمل ضمن كوادرها، فتلجأ للخبرات الأجنبية و دفع مبالغ طائلة ضمن شروط وطنهم و القوانين التي تحمي مواطنيها سواء على أرضه أو خارجه.. و أيضاً تلجأ لتوظيف عمال من غير الجنسية الأردنية للتوفير من حجم الرواتب و متطلباته من تأمين صحي و ضمان اجتماعي بسبب المبالغ الطائلة التي تتقاضها الحكومة من رسوم الكهرباء و المياه و الطاقة النفطية و الضرائب ..الخ. عدا عن ذلك، يلجأ هؤلاء لتحويل تلك الأموال إلى الخارج مما يزلزل حجم النقد في الدولة.

ما سبق هو خروج شباب من أسر و عائلات تؤمن لهم الجزء الأكبر من الحياة ألا و هي التربية، فما بالك بالشباب التي تخرج من دور الرعاية.. الأيتام، حيث أنها تستقبل الصغار منهم وتنشئتهم نشأة متواضعة لحين بلوغه السن القانوني للالتحاق بالتعليم الجامعي ، فغالباً تنتقص دور الرعاية من تكفيل جميعهم بالتعليم.. فإن حصولهم على عمل يكون تطوعياً أو يتقاضى مبلغاً رمزياً لا يكفي لأجور النقل من و إلى..

ليبقى المواطن الأردني الشاب يقع بين صراع العلم و العمل بسبب القوانين الظالمة التي لا تؤهل الشركات و المؤسسات من توفير فرص للشباب من أجل تحقيق طموحاتهم و الوصول إلى الأهداف التي ارتسمت لديهم في مرحلة الطفولة.

نحن جميعاً نُهمل تطلعات القائد نحو مستقبل أفضل، فعندما أشار جلالة الملك إلى ضرورة الاستثمار في البادية، لخلق فرص عمل لأبناء المحافظات المحيطة بها، من مؤسسات تعليمية ومستشفيات و مطاعم و شركات اتصال و غيرها الكثير من المؤسسات سواء كانت خدماتية أو صناعية انتاجية.. و لكن انصبّ الاهتمام كله حول إيجاد حلول بديلة للطاقة و استغلال الثروات غير المستغلة في البلاد، و هذا ضروري في الوقت الحالي و لكن إلى حين اتخاذ القرار، لا بد من صب كل الاهتمام نحو البادية لمنح القانطين فيها من العمل دون التوجه إلى العاصمة.. مما يهدر الوقت و الجهد و المال بسبب بعد المكان.. فقد اكتظت العاصمة بالمواطنين الذين يأتون من من شتى مناطق المملكة من أجل الالتحاق بالجامعات و العمل.. و لم تعد العاصمة تكفي لحض كل هؤلاء في منطقة واحدة.. فمن الاستثمار في البادية يخلق سوق للعمل والانتاج في نفس الوقت .. متى نبدأ.؟

أصبحنا نسمع التأفف و التذمر و هناك فئة تستغل هذا التأفف و تبني حاجتهم الماسة للعلم و العمل من وراء أوهام تترجم على أرض الواقع بالمعارضة و تنفيس طاقاتهم بالحراكات السلبية مما يؤدي إلى تدمير مستقبلهم ودسهم في السجون، و من ثم لا مجال للعمل بسبب سيرته الذاتية التي ربما تلحق المسؤولية على العمل و رب العمل.. فضياع الشباب ينشأ بسبب قلة استيعاب المؤسسات للكم الهائل من الخريجين سواء من المرحلة الثانوية أو الجامعية و الاعتماد الكلي على العاصمة كمصدر رزق و التعليم بالجامعات الحكومية كملجأ أولي..


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة