السبت 2024-12-14 04:24 ص
 

صناعة الحياة

07:00 ص

أحد مفاهيم الفكر الإسلامي التي غابت خلال العقود الأخيرة مفهوم صناعة الحياة، وساد مفهوم الموت والشهادة والجهاد، وأصبح ما هو مرتبط بالعمل الإسلامي غالباً هو الموت بأنواعه ودوافعه.اضافة اعلان

وأتذكر مقولة كان يرددها الأستاذ الدكتور اسحق الفرحان أحد أهم رجالات العمل الإسلامي الراشد حين كان يقول أن « الحياة في سبيل الله أسمى أمانينا»، على قاعدة أن هذه المقولة هي القاعدة وأن « الموت في سبيل الله « هو الاستثناء ولتحقيق غايات محددة، أو إزالة لظلم أو احتلال، أما الأصل فهو صناعة الحياة وهنا نتحدث عن الجهاد الحقيقي وليس فكر التفجير وقتل الأبرياء، فهذا ليس من صنوف الجهاد، وهذا ما يقوله أهل العلم والعمل الإسلامي الراشد.
ولأن الغاية من خلق البشر هو عمارة الأرض فإن صناعة الحياة هي الغاية المثلى، أما القتال فهو أداة ووسيلة لمعالجة بعض المسارات، والشريعة حملت مبادئ قوانين ونظمت الحياة، ولو كانت الغاية الموت والقتال لكانت بنية الدين والشريعة مختلفة وخاصة بمجتمع مقاتلين ومشاريع شهداء.
« صناعة الحياة « تعني أن الهدف إقامة حضارة، وصناعة مقومات حياة طيبة وكريمة للفقير والغني، وتعني الإيمان بأن الله خلق المجتمع طبقات وفضل بعضهم على بعض بالرزق لكن بنية المجتمع وقوانينه تكفل للفقير حق الحياة الكريمة ليس عبر الصدقة بل نظام تكافل.
الخطاب الإسلامي يحتاج إلى إعادة بناء لإعطاء المساحة الحقيقية لفكر صناعة الحياة، وهو فكر يعني تعميق فكر المشاركة والإصلاح والحياة مع الناس وليس تنصيب النفس عليهم لتصنيفهم بين مؤمن وكافر ومنافق، أو لتوزيعهم بين الجنة والنار، أو اعتماد السلاح ولغة الدم لإدارة العلاقة مع الآخر بأسهل الطرق وهي التكفير ثم استباحته بالتفجير في أي مكان، وفكر صناعة الحياة لا يتناقض مع الأصول والثوابت التي تجعل من مقاومة المحتل فريضة، والدفاع عن الأرض والحق ضرورة، لكن القتال هو الاستثناء، أما علاقة أي مجموعة مع مجتمعها فهي علاقة الحياة وليست الموت أو القتل، والأمر ليس بحاجة إلى علم عميق، فما قرأناه في كتب المدارس أن الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام أول ما فعل في المدينة هو بناء المسجد الذي كان مركزاً لصناعة أمور الدولة، والمؤاخاة وهي ميثاق علاقات اجتماعية، واهتم بالسوق أي الاقتصاد رغم كل الأعداء الذين حوله بل ومعه في المدينة.
ربما من الضرورة لأهل العلم والدين والعمل العام بعد عقود طويلة من الحديث عن ظواهر الإرهاب والتطرف والقتل أن نعطي اهتماماً لفكر صناعة الحياة الذي يعني ضمنا رفض كل ما هو غير سليم في ممارسات البعض الذين أصبحوا اليوم العنوان السياسي للإسلام.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة