السبت 2024-12-14 03:30 م
 

عقلية الفاردة

01:31 م

قررت منذ بضع سنوات ألا أشارك في أي فاردة، أو موكب سيارات مهما كانت المناسبة قريبة أو بعيدة. ومن ذلك التاريخ، لم يمر أسبوع إلا وأنا أشارك رغماً في واحدة تعتقلني وتجبرني أن أسير على سيرها. وذات طريق أجبرت أن أنضوي مع موكب عرس من عجلون إلى جرش، فلم يسمح الموكب الكريم لأي سيارة أن تتخطى سيارة العروسين. اضافة اعلان


فأي غضب سيتلبسك حين تجبر على المشاركة بفاردة تتهادى بسرعة 20كم في ساعة، لمسافة 20كم؟!. وأي غضب ينتابك وأنت ترى رتلاً طويلاً من السيارات خلفك يتحمصون قهراً جراء هذا الانقياد المقيت، وهذا الاحتلال النفسي؟!. وأي غضب سيفجرك، وهؤلاء الناس قد ضربوا عرض الحائط بكل معاني الإنسانية والحرية وحسن الأخلاق. فأي شيء هذا الذي يبيح لهم أن يكسروا القوانين ويعتدوا على حقوق الآخرين بحجة الفرح أو التحرح أو التخرج.

الأسبوع الماضي تم اعتقال مئات الآلاف من الناس بسياراتهم في أهم شرايين الحركة بعمان، بسبب عدد من الخريجين الجامعيين الذين أخرجوا أنصاف أجسادهم من سقوف السيارات وتطوحوا بالهواء متمايلين حاملين شهاداتهم الكبيرة، فغصت المدينة بالزحام حتى ترقوتها، أو تحولت كلها إلى فاردة بلهاء ما من أول لها ولا آخر.

(الفاردة) من بقايا موروثاتنا التي لم تعد تناسب حاضرنا، وقد أخذت اسمها من (الفارد)، وهو الجمل المزين والمزركش، فقد كانت العادة تقتضي أن يأتي أهل العريس بقطار طويل من الإبل فارداً وراء فارد، في زفة وغناء، ليأخذوا العروس. وكلما كان القطار طويلاً كانت الهيبة أكبر. واليوم، هل بقي مسوغ لهذه العادة في وقت سريع، لا ينتظر المتخلفين؟!.

ما من أحد يمتلك حصانة من الاعتقال وراء فاردة، تجتاح شوارعنا. فهل هي أنانية تتلبس الواحد منا حين يفرح، فيتصرف وكأن الشارع ومستخدميه ملكاً خاصاً له ولأبيه، رغم أنه يغضب إذا أشرك بفاردة رغما عنه. فإلى متى نبقى أسرى لهذه العادات البالية. بعد أن تجاوزنا عن عادات ذات قيمة، وتمسكنا بالذي انتهت صلاحيته.

نحن بحاجة لإعادة دوزنة شعورنا تجاه الآخرين، والمجتمع والعرف. نحن بحاجة لمراعاة الخلق العام. ثم من يقبل هذا الهدر في دولة تصرف أكثر من ربع مدخولها القومي على شراء النفط؟!. وماذا لو قدمنا ما نهدره في الفاردة شهر عسل يتذكره العروسان أو الخريج؟!. نحن بحاجة لموقف يتبلور ضد هذه الظاهرة المتفاقمة.

 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة