يكرّر رئيس الوزراء، مؤخّراً، الحديث عن 'الأيدي المرتجفة'؛ أيّ المسؤولين والموظّفين الذين يخشون التوقيع على المعاملات والأوراق، خوفاً من تهم الفساد. وهي ظاهرة موجودة فعلاً، أصبحت بمثابة 'فوبيا' لدى المسؤولين والموظفين، فيفضّل أغلبهم عدم التوقيع والسلامة، على أن يصبح 'كبش فدا' في قضايا الفساد.
هي مشكلة فعلاً، وعائق أمام إتمام المعاملات؛ تؤخّر وتعرقل الاستثمار، كما اشتكى كثير من رجال الأعمال والمسؤولين. لكنها
ما تزال قضية متواضعة أمام القصة الكبرى التي نعاني منها، والمتمثلة في 'الأيدي المنفلتة' لمسؤولين وسياسيين؛ فيوقّعون على معاملات خطرة ومخالفة للقوانين، يمررونها من دون أن يرف لهم جفن، أو يشعروا بأيّ ألم في ضمائرهم!
بالرغم من إعلان ميثاق النزاهة الوطنية، وتشكيل لجنة لتطبيق هذا الميثاق على أرض الواقع؛ وبالرغم من أنّنا ننتظر، أيضاً، هذا الشهر نتائج لجنة مراجعة التخاصية برئاسة الدكتور عمر الرزاز، إلا أنّ سلوك الحكومات والمسؤولين وحتى مؤسسات الدولة المختلفة، ما يزال بعيداً عن الشفافية المطلوبة مع الإعلام والرأي العام.
في واقع الأمر، ما يزال المواطن لا يشعر بالاطمئنان إلى أنّنا تجاوزنا تلك المرحلة المريرة في تاريخنا، والتي كانت تتم فيها الصفقات والمعاملات خارج أي سياق إداري وقانوني سليم، بذريعة الابتعاد عن ماكينة 'التعطيل البيروقراطي'، وعن 'الأيدي المرتجفة'؛ ما أدّى إلى خلق مؤسسات مستقلة متشعبة، أصبح أغلبها بحدّ ذاته عبئاً على الموازنة العامة، ومن دون أن نجد أي حلول حقيقية لمشكلة الاستثمار، بل خلقنا مشكلات إضافية؛ من زيادة النفقات الجارية، وعدم اتساق سلم الرواتب من جهة، وتعدد المرجعيات وتشعبها من جهة أخرى.
نتصرّف بعيداً عن كلمتي السرّ في تجاوز الأزمة: الحاكمية الجيّدة، والشفافية الكاملة؛ فكأنّنا لم نتعلّم الدرس مما حدث سابقاً. وما تزال أغلب القضايا والملفات أشبه بالألغاز لدى الرأي العام، من دون أن نتنبه إلى حجم الضرر الكبير الذي أوقعته قضايا سابقة في جوهر العلاقة بين الدولة والمواطن. فما يزال الشارع عالةً على ما تجود به التسريبات الأخرى لوثائق الصفقة المزعومة لبيع حصة مؤسسة الضمان الاجتماعي في بنك الإسكان، من دون تقديم أي رواية رسمية، حتى في الحدّ الأدنى، لاحترام الرأي العام وإطلاعه على موجز سير الأمور، وطمأنته بأنّ أمورنا بخير؛ أو حتى لا يتلقّى صفعة على وجهه غداً إن كان الأمر على النقيض من ذلك، لا قدر الله!
دولة الرئيس؛ لا نريد 'الأيدي المرتجفة'، مثلك تماماً. لكنّ ضررها أقلّ مقارنة بالأيدي المنفلتة التي تمرّر من دون التزام بالمعايير القانونية والإدارية والأخلاقية. فنحن لسنا معنيين بالتراشق بين الحكومة والسيدة مها الخطيب، على خلفية قصة بيع أراضي البحر الميت، إنّما ما نشكر عليه الخطيب، وقبلها حيدر الزبن، ومعهما مدير مؤسسة الغذاء والدواء، ووزير التربية والتعليم، هو الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية، وعدم تمرير الخطأ أو التستر عليه!
بل ربما يكون ارتجاف الأيدي، والقلوب أيضاً، في كثيرٍ من الأحيان، واجبا وطنيا وأخلاقيا؛ فلولا تلك 'الأيدي المرتجفة' والضمائر الحيّة، لبِيع دونم البحر الميت بثمن بخس، ولمرّت أسطوانات الغاز الهندية، ودخلت شحنات الغذاء المنتهية الصلاحية، وبقيت قاعات الثانوية مسرحاً للبلطجة. هذا ما نعلمه على الأقل، فكيف بما لا نعلمه؟!
الأيدي المرتجفة ليست من قبيلة واحدة؛ فهنالك من ترتجف تهرباً من المسؤولية كونها غير مؤهلة لاتخاذ القرار، وهنالك من ترتجف لأنّها تعلم أنّ القرار خاطئ لا يجوز المضي فيه. وأن يرتجف المسؤول ويتردد قبل التوقيع، أفضل بكثير من أن يوقّع بلا أي إحساس بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية والقانونية والإدارية.
الحاكمية الجيّدة، سيادة القانون، توحيد المرجعيات، الشفافية في المال العام، الموظف النزيه الكفؤ، تجريم الجمع بين الموقع السياسي والمصالح الاقتصادية، التخلّص من 'أصحاب الظل الطويل' و'القصير' أيضاً.. هي القيم التي من المفروض أن نعطيها الأولوية المطلقة للتخلص من جدلية الأيدي المرتجفة والمنفلتة، ولإزاحة هذه الصخرة الثقيلة عن قلوب المواطنين والدولة!
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو