ربما مات، فهو على موعد مستمر مع العبث مع الحياة، يراقصها وأحيانا يغازلها، لوى ذراعها حينا ولوت ذراعه أحايين كثيرة ، شاهدت بأم عيني فيديو أنهم دفنوه، وسمعت ما قاله حمدين صباحي في وداعه، وأغلقت الفيديو حتى لا أرى صورة نوّارة، التي غنينا لها معه “ نوّارة تكبر وتبقى أكبر كل يوم “، فالمؤكد انه دُفن لكن لا يقين أنه مات .
عرفنا صوته قبل أن نعرف صورته، وسمعنا كلمته بحنجرة غيره قبل أن نسمعها بحنجرته، فالعم “إمام” تكفل بنشر الكلمة وتكفل هو بنشر العم “إمام”، في عقد كان غامضا غموض عيون “إمام”، وجهور في خشونته مثل صوت نجم الذي حاول الغناء رغم صوت السيجارة في حنجرته وشحبار فحم الشيشة أيضا، لكنه غنّى لنا ولهم، وحملنا الشكارة سَويا، لكنه أفلت الجزء الذي يمسكه وقرر الرحيل كعادته فجأة وبنزق حاد .
شقاوته سبب شقائه، وكلمته سر شقائهم، فهو لم يرحم أحدا في ملعب الصراع الطبقي الذي لم تختل بوصلته عند نجم أبدا، ولم يحتج يوما لمعجم طبقي كي يفهم الدم، وبغرائزية العاشق كان يشتم رائحة الشهداء ودمائهم، كان جسورا مثل كلمته وأصبح كما قال هو” في العشق مثل “، فلماذا يضحك البحر كلما جاءت سيرة نجم ؟
أحببناه بالجلابية أكثر من أي زي آخر، ربما لأنها معادل موضوعي للمصري الفصيح البسيط، وربما لأن فيها مُشترَك بين كل العرب، من المحيط الى الخليج، فما من بلد لا يعترف بـ”الجلابية” رغم اختلاف الاسماء من بلد الى بلد “ جلابية، دشداشة، ثوب ... الخ “ لكنها بمضمون واحد، أحببناها لأجله وأحببناه فيها لأن مضمونه كان واحدا “البُسطاء” بصرف النظر عن جنسياتهم .
لا احد يُتقن الاختصار كما نجم، فلو جُبنا كل قواميس الاختصار لن يختصر أحد بلدا في كلمة واحدة، يعرفها المُثقل بشهادات الدكتوراة وعامل الترحيلة ويعرفها المصري الفصيح والعربي غير القارئ، “بهية” اسم اختصر أمة وبلدا، وصار لوحده وطنا، فكلنا نتقن معنى “بهية” وكلنا يعرفها وغازلها وروى لها كثيرا من أحزانه وأغمض قليلا على صدرها وشرب من نيلها حليبا صافيا دون دنس القطرية والكذب، فهي أُمنا جميعا .
لم نتخيل رحيله، نحن أهل عمان حصرا، فمقعده لم يبرد بعد، ورائحة قهوته ما زالت في انوفنا، كان بيننا لحظة أو زمنا طويلا، فالموت لا يليق بالشاعر العابر كل الأجواء والدائر خلف الكلمات بنعال من ريح، فهو يدور خلف النور في الكلمة حتى “ تحبل وتولد نور “، ويقطف البلح الأسمر ويسوس الحصان القومي على شاطئ الانسانية .
علاقته مع الموت شائكة مثل علاقتنا مع الحياة، وكلماته ستبقى زوّادة لنا في رحلة غسيل عرق الغلابى وآلامهم، هاجم بجسارة كثيرين، وأعاد الاعتبار لبعضهم، وبقي على وعده مع “بهية” وجُندها، الذين اعادوا لها روحها في كل غيبوبة زمانية، فظل جُند مصر الأكثر موعدا معه والأكثر قُربا له، حتى في لحظات الهجاء .
احمد فؤاد نجم لا يليق به الرثاء، وتخشى أن اطلت فيه أن يباغتك بقصيدة أو بطرقة على باب، قائلا “ لا تصدقوا نشرات الأخبار “ .
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو