الخميس 2024-12-12 05:40 م
 

قصة كليب .. لمن يريد أن يسمع!!

07:00 ص

تروقني كثيرا شخصية كليب وائل الذي عاش قبل ما يقرب من خمسة عشر قرنا، لدرجة أن العرب أخذت تضرب به المثل في العزة والأنفة والشموخ، فقالت 'أعز من كليب وائل'.وكليب هذا هو الذي قامت حرب البسوس بين بكر وتغلب بسبب مقتله بعد أن أردفه جساس غدرا رغم أنه كان زوج أخته وزعيمه، وحامي حماه.اشعر أن كتب التاريخ ظلمت الرجل، فأخذت عنه الجانب السلبي من حياته، المتعلق بالغرور والتسلط، وأخفت جوانب إيجابية، أبرزها سعيه الحثيث لإقامة دولة عربية منيعة متماسكة في جزيرة العرب، دولة لها قوانين وأنظمة وشرطة وجيش، دولة يدفع سكانها الضرائب ويقومون بحماية القوافل دون أن يتم الاعتداء عليها.نعم هكذا كان يفكر الرجل وهو ما سعى إليه، ولذلك بدأ في بناء سور حول مناطق حمى قبيلته، ووضع ساعات معينة للرعي ولشرب الإبل والماعز، ودرب الجيش ودفع لهم مقابل ذلك، وذلك في إطار رؤيته للطريقة التي يتوجب أن يتم فيها بناء دولته المرتقبة.تخيلوا معي لو أن مشروع كليب قبل خمسة عشر قرنا نجح، واستطاع الرجل الذي اغتاله جساس رفضا لمشروعه هذا، أن ينشئ دولة وفق رؤيته تلك، سيكون بذلك قد أسس لدولة مدنية في قلب الصحراء، وخط بداية طريق نحو دولة ستتطور لاحقا بكل تأكيد مع مرور السنوات، كان يمكن أن تكون دولة كليب مدنية بكل معنى الكلمة بعيدة عن عصبية دينية أو اثنية، الأمر الذي يعني أنها كان يمكن لها أن تراكم حضارة متنوعة، وليس حضارة من جانب واحد، وكان سيكون بإمكاننا لاحقا أن نقول إن عرب الجزيرة كان لهم يد طولى في إنشاء دولة مدنية قبل أن تنشأ الولايات المتحدة الأميركية، وقبل أن تنتقل أوروبا من حكم الكنيسة إلى الحكم المدني.مشكلتنا أن كليبا مات، قتله جساس غدرا، وبعد ذاك مات جساس بعد حرب دامية استمرت أربعين عاما كاملة، ثائرا لمقتل كليب، فماتت فكرة كليب بمقتله، واستطاع جساس أن يطوي الفكرة في مهدها، وهو الذي كان يرفض أن يتحول من حياة الرعي والسلب والنهب للحياة المدنية، وأن يعيش في مدنية داخل سور، وأن يكون للقبيلة جيش نظامي، وأن يحمي القوافل فلا يسرق ولا يقطع الطريق.اليوم وبعد ما يقرب من خمسة عشر قرنا من موت كليب الذي حاول أن يقيم هيكلا واضحا ويقيم معلما لدولة مستقبلية، بعد كل تلك السنين ما نزال نبحث عن دولتنا المدنية التي نريد، وما يزال البعض يقف حجر عثرة أمام وصولنا لتلك الدولة من خلال عصبيات بغيضة حينا، أو من خلال ترهيب وترغيب حينا آخر.مشكلتنا أن الجميع عند النقاش يجمع على أهمية التحول نحو الدولة المدنية باعتبارها ضمانة للبناء والرقي والتطور، والوحيدة التي توصلنا لمطارح الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ولكن يبقى ذاك عند البعض مجرد كلام وفي أول منعطف يعودون لعصبيات فرعية مبتعدين عن مفهوم الدولة الحديثة التي نريد.ما نأمل أن يحافظ الجميع؛ مسؤولين، وساسة وإعلاميين ونوابا واعيانا وقادة رأي ومفكرين وطلابا وشبابا ونساء، وكهولا، على ما يقولون في السر والعلن، وأن لا يتحدثوا بخطابين منفصلين عن بعضهما، وأن يتم توحيد الخطاب الذي يتم الحديث فيه ولا يختلف باختلاف الزمان أو المكان.إنْ وصلنا لوقت يتحدث فيه ساستنا بخطاب واحد في كل المطارح، فإننا وقتها سنكون بدأنا بالفعل نضع قدما على طريق الدولة المدنية، أما إنْ بقي حال بعضنا كما هو اليوم فإننا سنبقى ندور في دائرة مغلقة لن نستطيع بناء دولتنا المدنية التي نريد.أخيرا دعونا ندخل للدولة المدنية ونبعد أنفسنا ووطننا ومجتمعنا عن نزعات فردية لا تضع مدماكا في بناء الدولة الحديثة التي نبحث عنها، ونتفرغ لبناء دولتنا ونأخذها بعيدا عن أي تعصب فرعي أو جهوي أو ديني، ولنا في قصة كليب رؤية حسنة.

اضافة اعلان

 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة