الوكيل الاخباري– رصد- مابين غريمي إسبانيا التقليديين، برشلونة وريال مدريد، خصام يتجاوز مباراة كرة قدم فقط، فالتاريخ بينهما طويل وشائك، وكرة القدم الحديثة قد فرضت بينهما ألوانا أخرى من التنافس والتحدي. بل، طال الأمر لسياسة البلد – إسبانيا – وتضاريسها الجغرافية التي لعبت دورا في تأجيج الصراع مابينهما، خاصة مع مطالبات إقليم كتالونيا المحتضن لنادي برشلونة إستقلاله عن إسبانيا، الأمر الذي ترفضه بتاتا حكومة مدريد.
البارسا لم ينسى ماتجرعه من ويلات أيام حكم نظام فرانكو الديكتاتوري، حقبة لعل الجميع يتذكر منها فقط أحداث مباراة الـ 11-1 (تحدثنا عنها خلال الحلقة الأولى من السلسلة)، لكن قليل من يعرف حقائق أخرى، كيوم مات لاعب البارسا خوليو سيزار بينيتيز مسموما قبل أيام قليلة من مباراة برشلونة وريال مدريد، آنذاك اتهم الكتلان نظام فرانكو بهذه الفعلة، قام اللغط وارتفعت الضوضاء، أغلق ملفها دون حل، ثم استمرت الحياة.
أحاديث الصراع بين الطرفين لاتقتصر على آراء العامة والإعلام فقط، بل حتى لاعبو وإدارييو الفريقين يخوضان في ذلك، فحينما أذيعت إشاعات مفادها أن جيرارد بيكيه قد صرح قائلا أن المباراة بين الفريقين هي في الحقيقة مباراة بين كتالونيا وإسبانيا، علق جوان لابورتا الرئيس السابق للبارسا على هذه الإشاعة: 'لحد ما هذا الأمر صحيح، إنها مباراة رياضة تحمل أبعادا سياسية، لطالما مدريد كان الممثل لإسبانيا، ونحن نمثل كاتالونيا'.
التنافس بين الفريق هو محتد حتى آخر رمق. فإن كان الإتحاد العالمي لكرة القدم (الفيفا) قد اعترف بريال مدريد فريق القرن العشرين، فإن الإتحاد العالمي لتاريخ كرة القدم قد اعترف ببرشلونة فريق القرن الواحد والعشرين. وإن كانت كل فرق إسبانيا قد جربت طعم النزول لدوري الدرجة الثانية، فإن برشلونة وريال مدريد لازالا صامدين أمام هذا كابوس كل الفرق (إضافة لأتلتيك بيلباو). وما إن فاز ريال مدريد بدوري الأبطال سنة 2014، إلا وأعقبه البارسا بذات اللقب سنة 2015. وإن كان ريال مدريد يملك رونالدو، فإن البارسا يملك ميسي.
برشلونة وريال مدريد طرفان، كل متعلق بالآخر. فالمشجع البرشلوني حتما عليه أن يكون ضد ريال مدريد (مايطلق عليه في الأوساط الإسبانية بـ : أنتي مدريديستا)، والعكس صحيح. جوردي ألبا ظهير برشلونة صرح يوما قائلا: 'أنا مشجع لبرشلونة، من الطبيعي أنني سأتمنى لريال مدريد الخسارة كلما لعبت مباراة'. أما صحيفة 'الآس' المدريدية فقد وضعت استفتاء جماهيريا لجماهير ريال مدريد تتساءل عن أكثر فريق يكرهونه. ولم تكن المفاجأة نسبة 97% من الجماهير التي اختارت البارسا جوابا لهذا السؤال، لكن المفاجأة كانت تلك النسبة المتبقية التي لم تعتبر البارسا العدو الأول لريال مدريد.
في سنة 1997، كانت سنة سعيدة لجماهير برشلونة، حينما فاز الفريق بلقب كأس الملك ضد ريال بيتيس. ماجعل هذا اللقب خاصا، هو الفوز به على ملعب ريال مدريد، ملعب سانتياغو بيرنابيو، لاعبو البارسا يقومون بجولة شرفية داخل الملعب، والجماهير الكتالونية التي انتشرت في مدرجات ملعب مدريد صارت تنشد: 'مدريد تحترق !'. رئيس برشلونة في تلك الحقبة جوان غاسبارت علق قائلا: 'الذكرى التي سأحتفظ بها من تلك المباراة، أنني جعلتهم يطلقون نشيد البارسا من مكبرات صوت الملعب .. خمس مرات'.
أما سنة 2008، ففوز ريال مدريد بالدوري الإسباني قبل جولات من النهاية، جعلت الجماهير البيضاء في غاية السعادة. لأن ذلك معناه أن برشلونة سيضع الممر الشرفي لريال مدريد بطل إسبانيا قبل بداية الكلاسيكو الذي سيجعمهما في الجولة 36 من الليغا. الممر في أعراف الكلاسيكو معناه الإهانة الشديدة، لدرجة أن الإعلام المدريدي تحدثت عن أم سمحت لابنها بمشاهدة الممر فقط ثم إغلاق التلفاز، لأن موعد نومه قد حان والمباراة في ساعة متأخرة من الليل. برشلونة خسر تلك المباراة بنتيجة 4-1، لكنها تهون أمام إهانة الممر التي تلقاها في ملعب البيرنابيو.
سنة 2009، حينما حقق البارسا الثلاثية التاريخية، ووسط مراسيم الاحتفال، لم ينس صامويل إيتو خصومة الريال الأزلية، فأمسك الميكروفون وصاح ينشد مهاجما الفريق الأبيض: 'مدريد، الحقيرة، فلتحيي البطل'. أما جمهور ريال مدريد فصار ينشد أثناء إحدى المباريات قائلا : 'برشلونة .. إنها القذارة .. برشلونة إنها القذارة'.
مابين كل هذه الصراعات والخصومات، ينبثق طيف من الروح الرياضية وحب اللعبة حتى بين الطرفين.
سنة 2005، وفي كلاسيكو الليغا بملعب سانتياغو برنابيو، كانت ليلة البرازيلي رونالدينهو بامتياز. لاعب برشلونة سجل هدفين من أصل ثلاثية نظيفة للفريق الكتالوني، إبداع البرازيلي، أجبر جماهير ريال مدريد على الوقوف والتصفيق له، مشيدة بهذا الفتى الذي سحر الجماهير، بمن فيها المدريدية. لقطة كانت شبيهة بلقطة جماهير برشلونة، حينما صفقت للاعب ريال مدريد لوري كونينغهام، بعد مباراة رائعة للاعب الإنجليزي قاد بها الفريق الأبيض للفوز بهدفين دون رد.
المواقف الإنسانية كانت حاضرة بين الطرفين كذلك، أذكر منها موقف نادي ريال مدريد من خبر مرض الراحل تيتو فيلانوفا مدرب برشلونة السابق حينما أصيب بمرض السرطان سنة 2012. الجماهير المدريدية حملت قميصا كتب عليه 'تشجع تيتو' في رسالة للمدرب البرشلوني الذي خاض صراعا مع المرض لم ينج منه في الأخير.
هي ساعات تبقت على كلاسيكو آخر، ولا يسعني إلا أن أرسل رسالة حب لكل عشاق الفريقين البارسا والريال. ما أحلى معارك الكلاسيكو وأجملها، لكن روح الرياضة وجوهرها أعلى من كل شيء. لنجلس جميعا ونستمتع بتسعين دقيقة من المتعة، ولنعبر عن مكنوناتنا تجاه كل حدث من أحداث المباراة، لكن بعيدا عن مظاهر العنف والقبح اللذان يفرغان كرة القدم من معناها الحقيقي. فهي رسالة السلام والجمال، والحب والوئام.
ويترقّب جمهور كرة القدم بشغف كعادته في كل موسم 'كلاسيكو الأرض' بين قطبي الكرة الإسبانية الغريمين ريال مدريد وبرشلونة، تلك القمة الأكثر مشاهدة والحدث الرياضي الأكثر أهمية والذي يزداد إثارة مع تعاقب السنوات.
لا تقتصر أهمية المباراة على الناحية الرياضية فقط في ظل مطامع الناديين بالتتويج بكل الألقاب المحلية والقارية والدولية، بل تجسد أهمية اقتصادية هائلة، حيث يجمع المستطيل الأخضر أغلى لاعبي العالم والناديين الأكثر ثراءً في الوسط الكروي. وتفرض لغة الأرقام نفسها على الكلاسيكو كالعادة، ورغم النجاحات الرياضية الهائلة للبرسا في السنوات الأخيرة إلا أن الريال لا يزال الأبرع في جني الأرباح، وإن كان بفارق طفيف عن غريمه اللدود.
توّج برشلونة بكل الألقاب الكبرى في الموسم الماضي، إلا أن ريال مدريد لا يزال النادي الأعلى قيمة في العالم كما كان الحال في السنوات الماضية، لكن البلاوجرانا على وشك التعادل، فالفارق حاليا 90 مليون يورو فقط من حيث العائدات، في دراسة حديثة لمجلة 'فوربس' الاقتصادية الشهيرة. وجاء تقييم 'فوربس' بناءً على شعبية الناديين على مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت وعائدات البث التلفزيوني وأرباح التذاكر والعقود التجارية.
في المقابل، جاء ريال مدريد على رأس المؤسسات الرياضية الأعلى قيمة في العالم للعام الثالث على التوالي بقيمة 3 مليارات و260 مليون دولار، وجاء برشلونة في المركز الرابع بقيمة 3 مليارات و160 مليون دولار في تقييم (فوربس) في يوليو/ تموز الماضي. ويعتلي ريال مدريد القمة منذ ثلاث سنوات بعائدات سنوية بلغت 746 مليون يورو، لكن برشلونة قلّص الفارق بشكل كبير ليحقق 657 مليون يورو.
وتضاعفت إيرادات برشلونة في الأعوام الخمسة الماضية بمقدار ثلاثة أضعاف. ويرى مايك أوزانيان، المحرر التنفيذي لـ'فوربس'، أن الفجوة تتضاءل بين الناديين بعد أن أبرم برشلونة عقود رعاية مع شركة خطوط الطيران القطرية وشركة 'نايك' للملابس والمستلزمات الرياضية. في وقت توقع أوزانيان تفوّق برشلونة من الناحية المادية خلال وقت قريب خاصة بعد أن خصص 627 مليون يورو لترميم وتطوير استاد كامب نو، وسيجني من وراء هذا أرباحا طائلة في المستقبل.
ورغم أن ريال مدريد لم يفز بالدوري الإسباني سوى مرة واحدة في آخر سبع سنوات، إلا أن ماكينة جمع الأموال لديه لم تتعطل، حيث يستند على تاريخ عريق وحاضر قوي يعتمد على ضم أفضل وأشهر نجوم العالم لتتوسع شعبيته في مختلف بقاع الأرض. ويشير أوستين هولينان، المحلل الرياضي الاقتصادي بشركة 'ديلويت'، إلى عامل آخر يصب في مصلحة ريال مدريد وهو أرباحه من المباريات الودية قبل بداية الموسم وفي فترات التوقف والتي تقدّر بضعف ما يتقاضاه برشلونة في مثل هذه اللقاءات.
رغم ارتفاع أسعار التذاكر بشكل جنوني، فإن المدرجات في جميع مباريات الريال والبرسا تمتلئ بالمشجعين في معظم الأحيان. وإذا تراجع عدد المشجعين المحليين نتيجة للأزمة المالية التي تمر بها إسبانيا وارتفاع معدلات البطالة، فإن المشجعين الأجانب يحتلون المدرجات في كل فترات الموسم. وقد يصل متوسط سعر التذكرة إلى 600 يورو في السوق السوداء للأجانب، والسعر يكون أغلى في ملعب كامب نو بمتوسط 700 يورو، بحسب دراسة أجرتها شركة 'تيكيتبيس'.
ويفد معظم السائحين في مباريات الكلاسيكو على وجه الخصوص من بريطانيا وفرنسا ثم الولايات المتحدة وألمانيا، وتضاعف عدد السائحين في الكلاسيكو أربعة أضعاف في السنوات الأخيرة لمشاهدة الصراع المستمر بين ميسي ورونالدو. وفي مباراة الكلاسيكو المقبلة يوم 21 من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري في ملعب سانتياجو برنابيو، فإن سعر تذاكر أعلى فئة يتراوح بين 340 و10 آلاف يورو، لكن أغلى تذكرة بيعت حتى الآن بـ2900 يورو.
في المقابل، أكدت شركة (كي إم بي جي) أن كرة القدم تحرك 7 مليارات و600 مليون يورو في الاقتصاد الإسباني وتشكل 0.75% من الناتج القومي. ويُعد متحف نادي برشلونة واحداً من أكثر ستة متاحف زيارة في 2014 وهو الأكثر تحقيقا للأرباح داخل إسبانيا. وزار متحف النادي الكتالوني 1.5 مليون شخص في العام الماضي وبلغت أرباحه 27.4 مليون يورو، بحسب الأرقام الرسمية التي كشفها مدير المتحف جوردي بيناس، خاصة بعد إضافة كأس دوري أبطال أوروبا.
أما متحف ريال مدريد، فقد حظي بزيارة مليون شخص، كما أعلن رئيس النادي فلورنتينو بيريز في سبتمبر/ أيلول الماضي في اجتماع الجمعية العمومية.
حسب دراسة لهيئة الإذاعة البريطانية 'بي بي سي'، فإن قميص برشلونة بطل أوروبا هو الأعلى قيمة في أوروبا حاليا، وقدّر بـ101.50 يورو للقميص الواحد، بفارق كبير عن قيمة قميص الريال 62.93 يورو. ومع ذلك فإن مبيعات قميص ريال مدريد الذي تصممه شركة 'أديداس' الألمانية هي الأعلى في العالم، وبلغت العام الماضي نحو مليون و400 ألف قميص، وهي نسبة تقارب مبيعات مانشستر يونايتد صاحب المركز الثاني والذي يحظى برعاية أديداس أيضا.
أما برشلونة، فجاء في المركز الثالث بنحو مليون و150 ألف قميص مباع من تصميمات شركة 'نايك' الأميركية. ويتقاضى ريال مدريد سنويا 52 مليون يورو حتى عام 2020 مقابل رعاية أديداس لملابسه. في وقت يحصل برشلونة على 125 مليون دولار من شركة الخطوط الجوية القطرية مقابل رعاية قميص النادي الكتالوني منذ 2013 وحتى 2016، ونال 6.5 ملايين يورو إضافية بعد الفوز بدوري الأبطال، بحسب موقع 'ذا ريتشيست'. كما نجحت شركة طيران الإمارات في رعاية قميص ريال مدريد حتى موسم 2017-2018 مقابل 150 مليون يورو.
يملك ريال مدريد التشكيلة الأغلى في أوروبا، بحسب أرقام الويفا، وتقدّر قيمتها بـ629 مليون يورو، ويتفوّق بفارق 100 مليون يورو تقريبا عن مانشستر يونايتد الإنجليزي صاحب المركز الثاني. وينفق الريال 270 مليون يورو على رواتب لاعبيه مقابل 248 مليون يورو لرواتب لاعبي برشلونة.
في وقت تقدّر القيمة الإجمالية للاعبي الفريقين بستة مليارات يورو، وتصل قيمة الإيرادات السنوية إلى مليار يورو نظرا لأن الناديين هما الأكثر شعبية في العالم. وتسير على عشب سانتياجو برنابيو أو كامب نو سيقان تتخطى قيمتها مليار يورو، بحسب إحصاءات العام الماضي، ويتفوق الكلاسيكو على أقرب منافسيه دربي مانشستر بين يونايتد وسيتي.
في المقابل، حددت رابطة الليغا هذا الموسم سقف نفقات ريال مدريد بـ431.3 مليون يورو، يليه برشلونة بـ421.6 مليون يورو، وبفارق كبير يأتي أتلتيكو مدريد في المركز الثالث بنحو 160 مليون يورو كحد أقصى للإنفاق.
وعلى صعيد نسب المتابعة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن كل نادٍ يقترب من حاجز 90 مليون متابع على صفحته بموقع 'فيسبوك' وإجمالي نحو 35 مليون على موقع 'تويتر' لكلا الناديين. في حين استفاد الناديان من هذه الشعبية الجارفة في تحقيق الأرباح. وذكرت إحصائية لموقع 'سبورتسكوب' أن 7% من سكان قارة أوروبا يشجعون إما الريال أو البرسا، لكن النسبة تتضاعف في آسيا على سبيل المثال لتصل إلى 55%. وشاهد إحدى مباريات الكلاسيكو الموسم الماضي في الصين قرابة ثلاثة ملايين شخص رغم فارق التوقيت.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو