السبت 2024-12-14 05:36 ص
 

للدار راعيها

08:52 ص

زمان حين كنت طفلا , كان أبي في كل صيف , يقوم بشراء (بربيش) من أجل سقاية ( الدالية) ..وأشجار الدراق ...ولكن يبدو أن (البربيش) ...كان ينتهي عند اخر الصيف , فمن (30) مترا يصبح طوله مترا واحدا على الأكثر ...ونشتري (بربيشا) اخر للصيف المقبل ..اضافة اعلان

سؤالي ..كيف كان ينتهي البربيش ؟ ...في طفولتي يا ما ارتكبت هفوات ..منها مثلا سرقة العنب من دالية الجيران , أو (البصبصة) ...على البنات ,وأحيانا كنت أهرب من المدرسة ..وحين كان يأتي أبي من العمل ..ثم يصحو وقت العصر لممارسة هوايته المفضلة في رش الماء , كان لا بد من قيام أحدهم بالوشاية ..أو إخباره عما فعلته ..وردة الفعل كانت واحدة يصرخ بأعلى صوته :- (هاتوا السكين) ..ويتم إحضار السكين , ثم يقوم بقص جزء من البربيش ...ويناديني , وأنا أحشر نفسي في زاوية ...السور الخارجي , ولا أدري هل نظر أبي الذي كان لا يساعده في الرماية على الهدف أم أنه كان يتعمد ذلك ...ولكن جميع ضربات (البربيش) كانت في السور وليست في جسدي , وأنا كنت أتظاهر بالبكاء ..وهو يتظاهر في الضرب .
بعد نصف ساعة من (الكتلة) كان يناديني , ويبدأ بالوعيد والتهديد ...ثم يعطيني (شلنا) ...وأذهب , هو كان يتظاهر بالغضب , وأنا كنت أتظاهر بالبكاء ..وفي النهاية كان (البربيش) هو الضحية ...
كبرت وأبي نقلني لعمان مبكرا وأنا في عمر الطفولة , وهو كبر أيضا ..وصرت اقود به السيارة للكرك , فلا نظره عاد يساعده على القيادة ..ولا الأيام أبقت فيه , من وهج الشباب ما أبقت ...وكان يحب أن يمارس رياضته المفضلة , في رش الأشجار ... وأنا كنت أحن (للبربيش) , وذات يوم ذكرته بطفولتي ..ذكرته بالزاوية التي كنت أحشر نفسي فيها , وسألته ...هل كنت تقصد أن تضرب الجدار أم أنك كنت تخطيء الهدف ؟...ضحك مطولا وقال لي :- (يا بوي في أب الو قلب يضرب إبنه ..أنا كنت أهمر عليك بس ..) ..ثم قال لي جملة ما زلت أذكرها :- ( حين كان البربيش يمر من جانب قدمك أو يلمسها كنت أحس الوجع يسري بقلبي أكثر من سريانه في جسدك) ....
أنا لم اسرد هذه القصة كي أروي لكم ذكرياتي , ولكني سردتهافقط كي أحكي لكم , عن نظرية (البربيش) ..في الحكم , فالنظام السياسي الأردني يشبه أبي ..تماما , وأنا حين نقلت شقاواتي من الطفولة للصحافة ...كنت أدرك أن العقاب الذي نتلقاه , هو مزيج من الحب والغضب فقط ...وهذا نظام بالرغم من كل ضراوة المشهد ..لم يفقد الحب أبدا .
في الأزمة الأخيرة أستغرب من البعض الذين وجهوا مناشدات للملك , بمعاقبة المسؤول الفلاني , أو طرد المسؤول الفلاني , أو سجن ...فلان , ونسينا أمرا مهما وهو أن الملك أب قبل أن يكون ملكا ...
النظام في الأردن ليس بحاجة لشهادتي , ولكن الناس في بلادنا تحتاج لقليل من ضبط العاطفة ...في النهاية للدار راعيها , وهو الذي يقرر...


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة