عندما تجد شخصاً يتمسك برأيه رغم أنك تعلم يقيناً أنه على خطأ، فلا تغضب كثيراً منه؛ فقد تكون أنت مثله في كثير من اللحظات؛ بل أسوأ.
لاحظ المختصون أن عقل الإنسان ينجذب نحو القرارات التي تؤيد معتقداته واتجاهاته الفكرية؛ بل هو أيضاً يبحث عنها ويتجاهل الأفكار والأفعال التي تتعارض مع قناعاته الشخصية، حسبما ورد في تقرير لموقع 'نون بوست'.
هذه التحيزات المعرفية من الممكن أن تجعل الفرد يتخذ قرارات خاطئة؛ لأنه لا يرى الحقيقة كاملة أو يتجاهل رؤيتها، لكن مع الانفتاح الثقافي أصبح من الصعب أن يعزل الفرد نفسه عن كل ما يتضارب مع معتقداته الداخلية.
ويطلق العلماء مصطلح 'التنافر المعرفي'، على حالة التوتر الذي نشعر به حين يكون لدينا اثنان أو أكثر من المعتقدات أو الأفكار أو الآراء المتناقضة في الوقت نفسه.
فالتنافر المعرفي، هو تفضيل المكابرة على مواجهة الحقيقة؛ إذ تسيطر علينا رغبتنا في إثبات صحة آرائنا، وتدفعنا للبحث عن أدلة تؤكد قناعاتنا المسبقة، وفقاً لتقرير لصحيفة NY Times.
يُمكنك مثلاً أن ترى أنك شخصٌ طيبٌ وعادل، لذا تُصاب بالتنافر المعرفي عندما تقطع الطريق بوقاحةٍ على سيارةٍ أخرى.
ولتتكيَّف مع الموقف، ستحاول إنكار خطأك وتُصرّ على أن السائق الآخر كان يجب أن ينتبه إليك، أو أنه كان حقك في الطريق حتى لو لم يكن الأمر كذلك.
قدّم عالم النفس الاجتماعي ليون فيستينغر عام 1957 نظرية 'التنافر المعرفي' التي تتلخص في الاضطرابات النفسية التي تتزاحم داخل الفرد عندما يفقد التوازن بين معتقداته وسلوكياته، محاولاً التوفيق بين أفكار أو سلوكيات أو اتجاهات متضادة، فيتولد لديه شعور النفور من الاختلاف والتناقض، فيحاول الابتعاد عن دائرة الصراع التي تسبب له الضيق النفسي، وفقاً لـ'نون بوست'.وقدَّم ليون فستنغر هذه النظرية بعد دراسته مجموعة دينية صغيرة كانت تؤمن بأن صحناً طائراً سيُنقذ أعضاءها من نهاية العالم في الـ20 من ديسمبر/كانون الأول عام 1954، ونشر فستنغر ما توصَّل إليه في كتابه When Prophecy Fails 'عندما تفشل النبوءة'؛ إذ كتب أن المجموعة كابرت في معتقداتها وقالت إن الله قرَّر ببساطةٍ أن يرحم أعضاءها، مُتكيِّفين مع تنافرهم المعرفي بالبحث عن تبريرٍ لما حدث.
المعتقدات ووجهات النظر جاءت نتيجة لتراكمات من موروثات عائلية أو اجتماعية اكتسبناها في الصغر، وأي معلومة متصلة بالمخ البدائي فإن العقل يتعامل معها باهتمام وحماية ويركز على هذه المعلومة الأساسية التي تكون جزءاً من هويتنا وصورتنا الشخصية.وحسب تقرير 'نون بوست'، تتوقف درجة التنافر المعرفي على عدة عوامل؛ منها قيمة الاعتقاد الذي نؤمن به، فكلما زادت قيمة ذلك الاعتقاد، زادت نسبة التوتر المُلحّة للتخلص من هذا التنافر الناتج عن الأفكار المتعارضة، أيضاً جدير بالذكر أن موقف الجماعة أو الغالبية ومدى تأييدهم للاعتقاد يؤثران في الرأي.
عامل آخر مبني على طبيعتنا وارتكاز هذه المعلومة في وجداننا؛ فإذا كانت طبيعتنا أن نرى العالم باللونين الأبيض والأسود فقط، فسنجد أن طبيعة معلوماتنا تكون مطلقة وليس لدينا مرونة فكرية نتقبل بها آراء مختلفة أو جديدة علينا، إضافة إلى أنه إن لم نكن صرحاء مع أنفسنا فستكون ردود فعلنا محارِبة للمعلومات الجديدة ودفاعية. أخيراً، مكانة الأشخاص الذين نتفق أو نختلف معهم، فالاختلاف مع أشخاص لا نهتم لهم يخلق تنافراً أكبر من الاختلاف مع أشخاص نقدرهم.
وتقول الكاتبة كارول تافريس، التي شاركت في تأليف كتاب Mistakes Were Made (But Not by Me) 'وقَع الخطأ (ولكنه ليس ذنبي)': 'التنافر المعرفي، هو ما نشعر به عندما تُصبح مفاهيمنا الشخصية -مثل أنا ذكي وأنا طيب وأنا مقتنعٌ بصحة اعتقادي- تحت تهديد الأدلة التي تُثبت أننا فعلنا شيئاً لم يكن ذكياً، وتسببنا في إيذاء شخصٍ آخر، وأن قناعتي لم تكن في محلها'.
وتنقل NY Times عن تافريس قولها إن التنافر المعرفي يُهدِّد شعورنا بتحقيق ذواتنا.
وتابعت: 'ولتخفيف هذا التنافر، علينا أن نُعدِّل مفاهيمنا الشخصية أو نقبل الأدلة الجديدة..أي الطريقين سيُفضِّل الناس في رأيك؟'.
أو ربما ستتكيَّف من خلال تبرير خطئك.
تقول تافريس: 'التنافر شعورٌ غير مريح، لذا نسعى لتخفيفه'.
عندما نعتذر عن أخطائنا، يتعيَّن علينا أن نقبل التنافر، وهذا أمرٌ غير سار، وعلى الجانب الآخر، أثبتت الأبحاث أن الثبات على مواقفنا يمنحنا شعوراً جيداً.
بينما وجدت دراسةٌ نُشِرَت في الدورية الأوروبية لعلم النفس الاجتماعي، أن الأشخاص الذين يرفضون الاعتراف بأخطائهم يمتلكون ثقةً بأنفسهم ويشعرون بالسيطرة والقوة أكثر من أولئك الذين يعترفون بخطئهم.
يقول تايلور أوكيموتو، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة: 'أحياناً يمنح الاعتذار نوعاً من القوة لمُتلقّيه. فعلى سبيل المثال، اعتذاري لزوجتي هو اعترافٌ بخطئي، لكنه يمنحها قوة الاختيار بين تخليصي من العار بمسامحتي، أو زيادة شعوري بالذنب عن طريق حمل ضغينةٍ بداخلها. وأثبتت أبحاثنا أن الناس يشعرون بزيادةٍ قصيرة المدى في شعورهم بالقوة والسيطرة الذاتية بعد رفض الاعتذار'.
وأحياناً يكون الشعور بالقوة جذاباً وله فوائده على المدى القصير، لكن له أيضاً عواقبه على المدى الطويل.
يقول أوكيموتو إن رفض الاعتذار من المحتمل أن يضر بـ'الثقة المتبادلة التي تُبنى عليها العلاقة'، وأضاف أنه يُمكن يُمدِّد الصراع ويُشجع على الغضب والرغبة في الانتقام.
ويرى الخبراء أن رفضك الاعتراف بأخطائك يجعلك أقل انفتاحاً على التعرض للنقد البنَّاء. ومن المفترض أن يساعدك النقد البنَّاء على صقل مهاراتك وتصحيح عاداتك الخاطئة وتحسين ذاتك بصفةٍ عامة.
تقول تافريس: 'عادةً ما نميل إلى الطُرق التقليدية في فعل الأشياء، رغم كون الطرق الجديدة أفضل وأذكى وأكثر صحية. ونتمسك بالمعتقدات التي تسيطر على ذاتنا فترةً تتخطى عمرها الافتراضي؛ ومن ثم تكسرها. وبذلك نُثير سُخط شركائنا وزملائنا في العمل ووالدينا وأطفالنا علينا'.
ووجدت دراسةٌ أخرى أجرتها باحثتان بجامعة ستانفورد الأميركية، كارول دويك وكارينا شومان، أن الأشخاص كانوا أكثر قابليةٍ لتحمُّل مسؤولية أخطائهم عند إيمانهم بأن لديهم القدرة على تغيير سلوكهم.
ولكن الأقوال أسهل من الأفعال، لذا كيف تُغيِّر سلوكك وتتعلم تقبُّل أخطائك تحديداً؟'.
وضع فستنغر عدة حلول للحد من هذا التنافر:الحل الأول: إعادة تقييم السلوك، كأن يترك المدخن سلوك التدخين؛ ليتماشى مع إدراكه أن التدخين مضرٌّ.الحل الثاني: إعادة تقييم المعتقد، كأن يبحث المدخن عن معلومات تقلل من خطورة التدخين؛ ليحافظ على اتزانه النفسي ويتماشى مع سلوكه؛ حتى يتخلص من أي شعور مزعج حيال تصرفه.
ولكن، تظل الخطوة الأولى هي التعرُّف على التنافر المعرفي في أثناء حدوثه، فعقلك على استعدادٍ لفعل العجائب من أجل الحفاظ على إحساسك بهويتك، لذا فمن المُفيد أن تدرك ما تشعر به عندما يُصيبك التنافر.
وعادةً ما يظهر التنافر في صورة ارتباكٍ أو توترٍ أو إحراجٍ أو ذنب، ولا تعني هذه المشاعر بالضرورة أنك على خطأ، لكن يُمكنك استخدامها كتذكيرٍ بأن عليك التدقيق في الوضع الحالي من منظورٍ محايد وتتساءل بموضوعيةٍ إذا ما كنت مُخطئاً.
وبالمثل، عليك تعلُّم كيفية التعرف على طريقتك المعتادة في تبرير وتسويغ أفكارك. تذكَّر موقفاً كنت فيه على خطأ وأنت تعلم ذلك جيداً، ولكنك حاولت البحث عن مبرر.
وتذكَّر شعورك جيداً عندما حاولت تبرير تصرفك؛ لتتعرف عليه بوصفه التنافر المعرفي عندما يتكرر الأمر مستقبلاً.
وتنقل نيويورك تايمز عن أوكيموتو قوله إنه من الجيد معرفة أن الناس يكونون أكثر تسامحاً مما تظن عادةً. فصفاتٌ، مثل التواضع والصدق، تجعلك أكثر إنسانيةً وسهولةً في التواصل. وعلى الجانب الآخر، إذا كان خطأك واضحاً بشكلٍ لا يقبل الإنكار، فحينها يُبرهن رفضك الاعتذار على ضعف ثقتك بنفسك.
وأضاف أوكيموتو: 'إذا كان واضحاً للجميع أنك ارتكبت خطأ، وقتها يُصبح التمسُّك بموقفك دليلاً على ضعف شخصيتك وليس قوتها'.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو