الوكيل - بدعوة من مركز القدس للدراسات السياسية ومؤسسة كونراد أديناور، عُقد في عمان مؤتمر 'حاضر المسيحيين في سوريا ومستقبلهم'، بمشاركة عشرات الشخصيات السياسية التي مثلت أطيافاً سياسية وفكرية واجتماعية واسعة، من داخل سوريا وخارجها. وتميز المؤتمر بمشاركة كثيفة من قبل نشطاء وباحثين يمثلون اتجاهات مسيحية مختلفة.
وعلى مدى يومين، توزعت نقاشات المشاركين وحواراتهم على عدة محاور، منها الدور التاريخي التأسيسي لمسيحي سوريا، مع وقفة خاصة تناولت إسهاماتهم في حركة النهضة ومعارك الاستقلال وعمليات بناء سوريا الحديثة، ومن موقعهم كمواطنين سوريين، ثم انتقل الحديث إلى سؤال: أين يتموضع السوريون في سياق الأزمة السورية، وما أبرز التحديات التي تجابههم في ظروف سوريا الراهنة؟
وكرس المشاركون إحدى جلسات مؤتمرهم، للحديث عن 'موقع المسيحيين' في خطاب حركات الإسلام السياسي، مع تركيز خاص على خطاب جماعة الإخوان المسلمين، وأبرز الحركات السلفية الناشطة في سوريا، قبل أن يشرعوا في بحث 'موقع المسيحيين في دساتير سوريا وتشريعاتها، لينتهوا إلى صياغة جملة من التفاهمات والتوصيات العامة التي تشكل ملامح خريطة طريق لمستقبل سوريا ومستقبل مسيحييها، باعتبار أن مستقبل أي مكون من المكونات السورية، مرتبط أشد الارتباط بمستقبل الوطن السوري الجامع.
المشاركون الذين توزعوا على طيف سياسي وفكري واسع، كجماعة الإخوان المسلمين وسلفيين مستقلين، وهيئة التنسيق الوطني لأحزاب المعارضة السورية، والمجلس الوطني والائتلاف الوطني السوري وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني وأحزاب وتجمعات مسيحية ورجال دين، أجمعوا على تثمين الدور التأسيسي للمسيحيين في عصر النهضة والنضال من أجل الاستقلال الوطني، ومشاركتهم الفاعلة في بناء سوريا الحديثة. واستعرض المشاركون صفحات مشرقة من تاريخ العلاقة الأخوية التي ربطت مسلمي سوريا بمسيحييها منذ فجر الدعوة الإسلامية، والتي لم تعكر صفوها، بعض الأحداث المؤلمة في التاريخ، وشددوا على وجوب استلهام دروس التاريخ وعبره، عند التفكير في صياغة مستقبل سوريا.
ولدى محاولة الإجابة عن سؤال أين يتموضع السوريون في اللحظة الراهنة من تاريخ الأزمة التي تعتصر بلادهم، أجمع المشاركون على عدم جواز وضع المسيحيين في سلة واحدة، أو النظر إليهم بوصفهم 'كتلة متجانسة'، فهم كبقية المكونات السورية، يتوزعون على ألوان مختلفة من الطيف السياسي والفكري، ويتخذون مواقف متباينة حيال التطورات التي تعصف ببلادهم . وفي الوقت الذي ذهبت فيه غالبية المداخلات، خصوصاً من قبل المشاركين المسيحيين، إلى القول بأن المسيحيين لم يشاركوا كمجتمع، في أنشطة الانتفاضة أو الثورة السورية، وأن مشاركتهم اتخذت الصفة الفردية في الغالب الأعم، رأى آخرون أنه من غير الجائز التقليل من شأن المشاركة المسيحية في نضال الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة، ودعوا إلى تعميق هذه المشاركة وتطويرها.
وفي إطار البحث عن أسباب عزوف المسيحيين عن المشاركة السياسية والميدانية في فعاليات الانتفاضة أو الثورة السورية، عزا مشاركون المسألة إلى نجاح النظام في تقديم نفسه كحامٍ للمسيحيين والمسيحية في سوريا، وفشل المعارضة في المقابل، في تقديم خطاب (وممارسة) مقنعة ومطمئنة للمسيحيين السوريين، خصوصاً بعدما نجحت قوى أصولية متشددة من امتطاء صهوة الثورة، وفرض طابعها الفكري والعقائدي الإقصائي عليها.
وفيما لاحظ المشاركون، أن المشاركة المسيحية كانت أوسع نطاقاً في الفعاليات السلمية للثورة السورية عند انطلاقاتها الأولى، فقد أجمعوا على أن انتقال الثورة إلى مرحلة حمل السلاح، ودخول أطراف خارجية على خطها، ونجاح القوى المتشددة في احتلال موقع كبير في صفوفها، ساهم في إبعاد المسيحيين عن المشاركة، وحسم تردد قطاعات منهم لصالح المزيد من الاقتراب من النظام وبعض القوى القريبة منه، والاحتماء بمظلتهم. وحذر مشاركون من محاولات استخدام المسيحيين من قبل النظام والمعارضة، كورقة في الصراع الدائر في سوريا، كما حذروا من محاولات جر المسيحيين إلى حمل السلاح للقتال في صفوف النظام أو المعارضة، بحجج وذرائع شتى.
وفنّد المشاركون المزاعم التي تتحدث عن 'قصة نجاح' في علاقة النظام مع مسيحيي سوريا، وقالوا إن نظام الاستبداد الذي ألحق أفدح الضرر بعلاقة المواطن بالدولة السورية، صادر حقوق السوريين جميعاً وحرياتهم، بمن فيهم المسيحيين، وإن العلاقة بين المسيحيين والدولة في ظل هذا النظام، لم تكن قائمة على أساس 'المواطنة' و'دولة القانون والمؤسسات'، بقدر ما كانت تستند إلى مفهوم 'الحماية' و'الاستتباع'، وإن الظلم الذي ألحقه النظام بمختلف مكونات شعبه، لحق بالمسيحيين كذلك، وإن النظام نجح في استقطاب تأييد فئات من رجال الدين المسيحي، بهدف ضمان ولاء أتباع الكنيسة فضلاً عن محاولته تجميل صورته، تماماً مثلما فعل مع بقية المكونات، بما فيها الأغلبية السنيّة.
وعرض المشاركون للفجوة القائمة بين الكنيسة والمسيحيين في سوريا. وانتقدت مداخلات صادرة عن مشاركين مسيحيين، الدور الذي يلعبه بعض رجال الدين المسيحي، في تقديم صورة غير دقيقة عن موقع المسيحيين وموقفهم مما يجري في بلادهم.
وفي السجال الدائر حول نوعية 'الضمانات' التي يحتاجها المسيحيون السوريون لحاضرهم ومستقبلهم من مختلف الأطياف السياسية والمكونات الاجتماعية، برزت عدة اتجاهات واقتراحات، أشار بعضها إلى أن أحداً لا يمتلك مثل هذه الضمانات. وقال بعضها الآخر إن تعزيز مشاركة المسيحيين في الثورة السورية، هو الضمانة الأنسب لهم ولغيرهم من المكونات، لكن المشاركين جميعاً، ومن مختلف التيارات، أجمعوا على أن مستقبل سوريا بكل مكوناتها، يجب أن يضمنه دستور توافقي، قائم على مبدأ 'المواطنة المتساوية' للجميع، بصرف النظر عن الدين والمذهب والعرق والجنس، وإن دولة القانون والمؤسسات، المدنية الديمقراطية التعددية، هي وحدها من يكفل بأن يكون الوطن لجميع أبنائه... وهي وحدها القادرة على تصحيح الخلل الذي اعتور علاقة دولة ما بعد الاستقلال بمواطنيها، خصوصاً في السنوات الأربعين الفائتة.
وناقش المشاركون في المؤتمر ورقتي عمل؛ الأولى تتحدث عن 'المسيحيون في خطاب جماعة الإخوان المسلمين'، والثانية تناولت 'المسيحيون في خطاب الحركات السلفية في سوريا'. وقد أجمع المشاركون في مداخلاتهم ونقاشاتهم على عدم جواز وضع الحركات الإسلامية جميعها في سلة واحدة، وعلى الحاجة الماسة للتمييز بين مواقفها ومقارباتها. ولاحظت الورقة الأولى، أن جماعة الإخوان، والحزب الوطني للعدالة والدستور 'وعد'، تنظر إلى المسيحيين في سوريا من منظور 'المواطنة'، وأنه لا تمييز بين المواطنين السوريين على أساس خلفياتهم ومشاربهم الدينية أو العرقية، وأنها تدعو لدولة مدنية ديمقراطية تعددية، تنهض على مفهوم المواطنة وصون الحقوق والحريات. وأشارت الورقة التي قدمها د. أحمد كنعان أمين عام حزب 'وعد'، إلى الحاجة لتأصيل فقهي لهذه المفاهيم في الخطاب الإسلامي (الإخواني) باعتبارها مفاهيم جديدة دخلت على خطاب هذه الحركات، ولم تحظ بالتأصيل الفقهي العميق، مؤكداً أن الإسلام يدعو للدولة المدنية الديمقراطية، وأنه بمقاربته لنظام الحكم، يكاد يلامس ضفاف 'العلمانية'.
معظم المداخلات والتعقيبات على الورقة، رحبت بالتطور السياسي والفكري الهام الذي طرأ على خطاب جماعة الإخوان المسلمين في سوريا في السنوات العشر الأخيرة، خصوصاً لجهة تبني مفاهيم الديمقراطية والتعددية والدولة المدنية و'المواطنة'، في حين ذهبت بعض الكلمات والتعليقات إلى وجوب إقران القول بالفعل، وتقليص الفجوة بين الخطاب والممارسة، مستحضرة بعض التجارب السورية والعربية التي أظهرت حجم الفجوة بين خطاب بعض الحركات الإسلامية (وغيرها) وممارساتها على الأرض، بين خطاب هذه الحركات وهي في المعارضة وممارساتها بعد وصولها إلى السلطة.
وفي الوقت الذي اقترحت فيه بعض المداخلات ضرورة عدم وضع جميع الحركات السلفية في سلة واحدة، إلا أن المشاركين أجمعوا في مداخلاتهم، على استنكار الخطاب التكفيري الذي ميّز خطاب فصائل السلفية الجهادية، حيال السوريين من غير المسلمين، بل وحيال المسلمين السوريين المخالفين لهذه الحركات في النظرة والاعتقاد. وتوقف المؤتمرون أمام الجرائم التي تقترف بحق مسيحيي سوريا وكنائسهم ودور عباداتهم، كما توقفوا مطولاً أمام معاناة مسيحيي محافظة الرقة تحت حكم ما يسمى 'الدولة الإسلامية في العراق والشام'، وشروعها في فرض 'الجزية' على هؤلاء المواطنين، وحرمانهم من الجهر بمعتقداتهم وممارسة شعائرهم، وإصرارها على إعمال مفهوم 'الصَغار' في العلاقة معهم، وشددوا على وجوب تكثيف الجهود وتوحيدها لمحاربة هذه الأفكار الشاذة والمسيئة للإسلام بقدر إساءتها للمسيحية والمسيحيين.
وإذ شدّدت مداخلات بعض المشاركين على الحاجة لبناء دولة سورية علمانية في المستقبل، إلا أن إجماع المشاركين ذهب للمناداة باعتماد مفهوم الدولة المدنية – الديمقراطية – التعددية ... دولة المواطنة المتساوية ... دولة المؤسسات والقانون، التي تكفل منظومة الحقوق والواجبات المتساوية لجميع أبنائها، بل وتضمن مشاركتهم في صنع حاضرهم ومستقبلهم. وجرى التوسع في الحديث عن 'دسترة' هذه المفاهيم، والبعض نادي بجعلها قواعد 'فوق دستورية'، تسهم في بث الطمأنينة في نفوس جميع السوريين، وتحول دون تغوّل أكثرية سياسية أو اجتماعية، أو إقصاء أي مكون من مكونات المجتمع السوري.
وطالب المشاركون بتشريعات حديثة وعصرية، تكفل حقوق جميع السوريين، أفراداً وجماعات، وشددوا على وجوب مراعاة التنوع والتعدد السوريين، عند وضع القوانين الناظمة للأحوال الشخصية، وترك الباب مفتوحاً أمام خيارات التزاوج المدني بين السوريين من مشارب مختلفة، ومراعاة حقوق المرأة وكرامتها ومساواتها بالرجل عند صوغ الدستور والتشريعات، فالنساء في سوريا، اللواتي كنّ شريكات في الكفاح من أجل سوريا الغد، يجب أن يحظين بفرض الشراكة المتساوية في بناء سوريا المستقبل.
وفي الختام، بدا للمشاركين، أن مساحات التوافق في وجهات النظر والمقاربات، أكبر بكثير من مساحات الخلاف والتباين، وقد أجمع المشاركون أو غالبيتهم العظمى، على الأخذ بالمقترحات والتوصيات التالية:
أولاً: في طبيعة النظام السياسي والحقوقي السوري المستقبلي:
• الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، القائمة على مفهوم المواطنة المتساوية، هي الإطار والحاضنة المثلى للسوريين جميعاً، بصرف النظر عن اختلاف مشاربهم ومذاهبهم وأديانهم وأعراقهم، رجالاً ونساء.
• 'دسترة' منظومة الحقوق والواجبات الفردية والجماعية، وضمان مشاركة مختلف المكونات السورية في صنع حاضر سوريا ومستقبلها.
• إعادة النظر في التشريعات والقوانين الناظمة للعمل العام والأحوال الشخصية، وبصورة مرنة تكفل للجميع ممارسة حقوقهم وحرياتهم وواجباتهم على اتساعها.
• تعزيز الوحدة الوطنية السورية، وصون وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وتعميق الهوية الوطنية الجمعية، ومحاربة الطائفية والتطيف، والتمييز بينها بوصفها معول هدم للنسيج الاجتماعي من جهة، وبين مظاهر التدين الطبيعي، إسلامي أو مسيحي، من جهة ثانية، ومحاربة محاولات زرع الفتن ونشر ثقافة الكراهية والإلغاء.
• تحريم وتجريم استخدام العنف بين أبناء الوطن بجميع أشكاله، واعتبار التسامح الديني فضيلة إسلامية ومسيحية عليا، تبنى على حرية المعتقد، وعلى وجوب الاحترام المتبادل والاعتراف بحق الجميع في الاختلاف والتنوع.
• رفض الممارسات والأفكار المتطرفة والإقصائية التي ميزت سلوك جماعات متطرفة اتخذت من الإسلام دثاراً لها، والتأكيد على أن رسالة الإسلام السمحاء، ترفض هذه الأفكار وتتبرأ منها ومن القائلين بها.
• إعادة النظر في مناهج التربية والتعليم والمقررات المدرسية والجامعية، بما يراعي مختلف الحساسيات السورية، ونشر الثقافة المدنية والوعي الديمقراطي، وتعميم ثقافة التعددية والتنوع المثري لحياة السوريين، وإبراز الصفحات المشرقة من تاريخ سوريا ودور المسيحيين فيها.
• رفض نظريات صدام الحضارات والأديان وتداعياتها، والدعوة للتآخي والحوار الأخوي السلمي وتشكيل الأطر المناسبة لإدامة هذا الحوار بوصفه الوسيلة لحل أية إشكالات، محلية أو إقليمية أو دولية.
• التصدي للأدوار المشبوهة لبعض الفضائيات ووسائل الإعلام، التي تعمل على إثارة الفتنة والتحريض المذهبي، والدعوة لميثاق شرف إعلامي يجرم العبث بأمن المجتمع ووحدته الوطنية بذرائع دينية واهية.
ثانياً: في الواقع الراهن والمستقبلي لمسيحي سوريا:
• التأكيد على أن 'لا حل مسيحياً لمشكلة المسيحيين في سوريا'، فالحل يكون وطنياً وديمقراطياً وتعددياً بامتياز. وفي هذا السياق، يدعو المشاركون المواطنين المسيحيين للمشاركة مع بقية المكونات السورية، في الكفاح من أجل سوريا المستقبل، سوريا الحرية والكرامة والعدالة.
• دعوة مختلف الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية لتكثيف جهودها من أجل توسيع مشاركة المسيحيين في صفوفها ونشاطاتها، وفي فعاليات المجتمع المدني السوري.
• تعميق وتطوير الحوار المسيحي – المسيحي، في محاولة لبناء رؤية مشتركة عن حقوق المسيحيين ومطالبهم، ومعالجة الاختلالات القائمة حالياً، والسعي لتجسير الفجوة بين الكنيسة وبعض رجال الدين من جهة، والأجيال الشابة من مسيحيي البلاد.
• القيام بأوسع حملات التعبئة وحشد التأييد لإبقاء المسيحيين في مدنهم وقراهم وبلداتهم، ووقف نزيف الهجرة الذي يتهدد مستقبل المسيحيين في البلاد، والتنبه لمحاولات تفريغها من أبنائها، سواء صدرت عن قصد أو من دونه، أو عن جهات محلية أو دولية.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو