السبت 2024-12-14 03:15 ص
 

‘مونولوجات غزة’ في باريس: الزمن الذي لا يمر!

04:13 م

الوكيل - تحويل شهادات أطفال غزة الذين عاشوا أحداث الحرب إلى عملٍ مسرحي، كان هذا مشروع فرقة (عشتار) المسرحية، والتي قامت مع بداية العام 2010 بتدريب 33 طفلاً وطفلة في غزة ومن خلال استخدام أسلوب مسرح المضطهدين والعلاج النفسي عن طريق الدراما، والكتابة الإبداعية، لينتهي التدريب بكتابة مونولوجاتهم الذاتية حول تجربتهم الحياتية تحت الحرب وفي ظل الحصار.اضافة اعلان

(مونولوجات غزة)، الذي ترجمته الأكاديمية الفرنسية (ماريان فايس) إلى اللغة الفرنسية، وصدر حديثاً عن دار (فضاء اللحظة) في فرنسا، تمت قراءة بعض نصوصه من قبل ممثلين عرب وفرنسيين في (بيت أوروبا والمشرق) في باريس بمناسبة صدور الكتاب، كان قد عُرض عام 2010 في فعالية ضخمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بمشاركة عدة دول وبلغات عدة، إضافة إلى تمثيله من قبل الأطفال أنفسهم في غزة.
ترجمة هذه المونولوجات إلى الفرنسية بعد ثلاثة أعوام من كتابتها يؤكد أنها لم تكن عبارة عن عمل مرتبط بالمناسبة فقط، حيث كثيراً ما تصنع الحروب أعمالاً تختفي مع الوقت كما اختفى أغلب ما سُمي بـ(شعر المقاومة)، ولعل ارتباط العمل بالأطفال وعفوية الكتابة وبساطتها وبعدها عن البلاغة، إضافة إلى ازدواجية الهدف: العلاج النفسي والفن، كلها أسباب صنعت له الانتشار والديمومة، فالناس في كل مكان شغوفون لمعرفة ما جرى في كواليس الحرب بعيداً عن الإعلام، لا سيما الكواليس المرتبطة بالحياة اليومية، كما أن هذه المونولوجات ليست بعيدة عن الأحداث الراهنة في تلك المنطقة، ولا عن النظرة التي تعم العالم تجاه مستقبل البشرية الذي يبدو أكثر سواداً، ما يجعل زمنها خارج مفهوم مرور الزمن، وكأنه يحدث الآن.
في حرب غزة التي وقعت بين كانون الأول 2008 وكانون الثاني2009، والتي راح ضحيتها 1,380 بينهم 431 طفلاً، كان الأطفال يرتدون أجمل ملابسهم، فقط كي (يموتوا بشكل جميل)، ولم يكن لديهم سوى خوف واحد: أن يتحولوا إلى أشلاء فلا يكونون جميلين بعد موتهم، هذه العبارة التي قالتها طفلة في الفيلم التوثيقي عن العمل، والذي عُرض في (بيت أوروبا والمشرق) قبل القراءة، تؤكد التحول الذي يطرأ على نفسية الطفل في الحرب، حتى على صعيد أحلامه، فقد كبر عشرات الأعوام، ولم يعد طفلاً.
مثَّل الأطفال آنذاك على خشبة المسرح أدوارهم الحقيقية التي سبق أن عاشوها على مسرح الحرب-إن صحت التسمية-، فالحرب (انتهت على أرض الواقع لكنها لم تنتهِ في رؤوسهم)، تجربة الحرب التي تفجر أقصى ميول الشخص ونوازعه وطاقاته، نجدها في هذه المونولوجات التي لم توحدها رؤية أو توجه، فبينما (غزة علبة كبريت وإحنا العيدان اللي جواها)، كما كتب أحد الأطفال، كتب آخر (غزة طيارة حاملة الناس ومسافرة ع المجهول، لا هي حاطه بالجنة ولا حاطه بالنار، إمتى راح تهبط الله أعلم)، أما التجربة الأشد مرارة فهي تجربة ما بعد الحرب، حيث إن الأطفال قد تغيرت نفوسهم ونظرتهم إلى الحياة، فبالإضافة إلى الفوبيا التي يُصابون بها من أشياء لا تستدعي الخوف، يتولد لديهم كثير من أنواع السلوك الغريب تجاه الحب والألم والطموح والتعاطي من الأشياء والكائنات، لذلك كان تدريب الأطفال بإشراف أحد الأطباء النفسيين الذي لم يُخفِ في الفيلم مفاجأته بالتغير الكبير على صعيد إعادة الثقة والتوازن الذي حدث في نفوس هؤلاء الأطفال، فهم(قبل العمل المسرحي ليسوا هم بعده!)، كما أنهم بعد الحرب ليسوا هم قبلها، وهذا ما يقره جميع أطباء علم النفس: علاج الأمراض النفسية من خلال الإبداع، لا سيما الأطفال والمراهقين الذين يستطيعون أن يتجاوزا المرض بشكل أكبر-إذا ما عولجوا-لكونهم في مرحلة النمو.
تجربة (مونولوجات غزة) لم تكن الأولى في العالم العربي، فقد سبق أن أحيا (مسرح المدينة) في بيروت تجربة مشابهة عام 2006، هدفت إلى علاج أطفال لبنان المتضررين من الحرب اللبنانية الإسرائيلية آنذاك، هي تجربة مغرية وضرورية للمسرحيين في بلدان أخرى تشهد أحداثاً مشابهة اليوم، لا سيما سورية، حيث يعيش الأطفال ظروف الحرب الأهلية، وحيث تمتلئ مخيمات اللاجئين السوريين بالتجارب المذهلة التي عاشوها، والطريقة الأفضل لعلاجهم ونقل تجاربهم الغنية بمفارقات الحياة أثناء الحرب هي المسرح، ولعلنا سنحتاج إلى كثير من المسرحيين وأطباء النفس في منطقتنا خلال الشهور والسنوات المقبلة!.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة