الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

إعلامنا الوطني ليس ملطشة لأحد



كانت لنا تجربة اعلامية عزيزة علينا، وتحظى باحترام المنصفين في بلدنا وفي الخارج، واعلامنا الوطني، بكافة أنواعه، يحاول الان ان يبني على هذه التجربة ليقوم بوظيفته الوطنية رغم العراقيل التي يواجهها، ويحاول ان ينتزع حريته واستقلاليته وان كانتا لا تزالان منقوصتين، وهو ايضا - مهما اختلفنا على ادائه - استطاع ان يسدّ فراغاً كبيراً في مشهدنا السياسي، ونجح في كشف كثير من قضايا الفساد وتصدى - بشجاعة - للدفاع عن البلد، وكانت بوصلته - على العموم - باتجاه الوطن حتى وان اخطأ احياناً في الاجتهاد.اضافة اعلان

سؤال الاعلام، بما له وما عليه، هو سؤال الدولة، أية دولة، ان اجابت عليه بوضوح واجتازت امتحانه، أصبحت مؤهلة للدخول في معمعة الاصلاح، بأشكاله، والحداثة، بأنواعها، ومطمئنة - تماما - الى سلامة خطابها وحسن أدائها، وعلاقتها مع مكوناتها ومع خارجها ومحيطها.. أما اذا فشلت فيه، فقدرها أن تراوح مكانها، وتبدع في تقديم مبرراتها، أو تغلق آذانها عن مساعي اي انتقادات أو اسئلة محرجة تأتي من هنا وهناك.
صحيح، لنا تجربة طويلة مع «الصراع على الاعلام»، كما ان السجالات التي تنطلق اليوم لنقدها تبدو مطلوبة في سياق طي صفحتها والمساهمة في الخروج منها أو عدم تكرارها، لكن ذلك لا يمنع من الاشارة الى نقطتين: أولهما ان تحرير اعلامنا من هذا الصراع الداخلي يحتاج اولا الى تحريره من صور الخلل التي تكمن داخله، وهذه يمكن اختصارها في ثلاث قضايا: المشكلة الاكاديمية، والمشكلة المهنية، وعلاقته مع جمهوره.. والتفصيل فيها يحتاج - بالطبع - الى مكان ووقت آخرين، اما النقطة الثانية فهي الدعوة مجددا الى ترسيم العلاقة بين الاعلام والحكومات، وبينه وبين سائر المراكز والمؤسسات، والترسيم هنا لا يحتاج الى مجرد «نصوص»، وانما الى «روح» تضع العلاقة على سكة «القيم» والتقاليد، وتؤسس «لحالة» من الاعتراف والاحترام المتبادل التي لا تتغير مع تغير الظروف والاحوال.
 لا شك بان اشهار الحرب على الاعلام، او محاولة تجريحه والانتقاص من تجربة العاملين فيه واخلاصهم ومهنيتهم او محاولة تطويقه واقصائه عن المشهد واشغاله «بالدفاع» عن نفسه، واغراقه في جدل طويل وتخويف المجتمع منه، هو أقصر طريق لتشويه صورة هذا الاعلام والتأليب ضده، ثم اختطاف دوره في تقديم مطالب الناس وابراز حقوقهم، لابقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، كضمانة مفترضة لمنع اي محاسبة او مراقبة أو نقد قد تطال المتضررين من «التغيير» أو الخائفين من موازين العدالة، لكن اصحاب المهنة لن يقبلوا ابدا بهذا التشوية، وسيتمسكون باقلامهم النظيفة لمواجهة اية اساءة، من اي طرف كان.
المعركة ضد الاعلام لم تتوقف، لكنها في المرحلة الحالية اخذت طرقاً واساليب اخرى، منها ما هو تشريعي ومنها ما هو «استرضائي» ومنها ما هو «تشويهي»، والاطراف التي تشارك فيها جهات ونخب مختلفة، يجمعها احساس واحد هو «الانزعاج» من الاعلام والخوف منه، وهدف واحد هو «تكميم» أفواه الناطقة باسم «الناس» لكي تبقى اصداء اصوات الناس خافتة، لا تؤثر ولا يسمعها أحد.
اذا كان بمقدورنا ان ننصح هؤلاء فاننا نقول لهم : اعلامنا الوطني ليس ملطشة لاحد، نعم نريد اصلاح الاعلام، ومراجعة تجربته وتصحيح اخطائه، لكن هذا كله يفترض ان ينهض به الجسم الاعلام من الداخل، وان يجد من المسؤول ما يناسبه من دعم وتشجيع، لكن أي اصلاح «بالمقررات» التي تنزل بالبرشوت او مداخلات من اشخاص لا علاقة لهم «بالصنعة» الاعلامية، لن يحقق الا مزيداً من الاصرار على حماية المهنة وانتزاع حقوق العاملين فيها، ورفض «وصفات» التشويه التي لم تنجح فيما مضى، ولن تنجح في