الجمعة 26-04-2024
الوكيل الاخباري
 

الثقة في عالم اللايقين



كنت في تركيا عندما صدر الاستطلاع الأخير عن مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية الذي أثار ضجة كبيرة على المستويين السياسي والإعلامي، وتم التشكيك في منهجيته ونتائجه، وحتى توقيته، ولعل متباعتي لأمر كهذا من خارج البلاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي تتيح مساحة أكبر لفهم الاستطلاع، ومعظم ما كتب عنه من مقالات تثير في حد ذاتها قيمة مضافة لطبيعة الجدل الذي نعيشه، مع بداية مئوية ثانية من عمر الدولة، تدخل إليها على خطى منظومة سياسية واقتصادية وإدارية جديدة .اضافة اعلان


الأوساط التركية منشغلة كذلك باستطلاعات الرأي حول الانتخابات الرئاسية والعامة المقررة في شهر يونيو من العام 2023، والتي ترفع حظوظ تحالف الشعب الذي يضم حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية، بزعامة الرئيس طيب رجب أردوغان، لتعود وتشكك بها تارة أخرى، وترفع من شأن أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري ضمن ما يعرف بالطاولة السداسية بزعامة كمال كلشدار أوغو، ثم لتعود وتتراجع عنها!

أردوغان يرفع شعار « القرن التركي» فتركيا الحديثة تدخل مثلنا إلى مئوية ثانية، وواقعها الاقتصادي في تقدم مستمر رغم تأثرها بالأزمات الإقليمية والدولية كحالنا أيضا لكن أقتصادها حقق في الربع الثاني من العام الحالي نموا بلغ (7,6)، ولست هنا في معرض المقارنه، ولا أخرج عن مسألة الاستطلاعات لكي أشير إلى أنها تشكل لدى الدول المتقدمة واحدة من مرتكزات توجيه صانعي القرار في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية نحو الاتجاه الصحيح، وفق منهجيات يضيق المجال للخوض فيها، ومع ذلك فإن كثيرا من الباحثين في قضايا الرأي العام، وفي علم النفس الاجتماعي يرون أنها عرضة للفشل، ذلك أن هناك الكثير من التحديات التي تواجهها كي تتمكن من الاقتراب من الحقائق حد اليقين!

غالبا ما يتعلق هذا الفشل بفهم مجتمع الدراسة، ومدى إمكانية جمعهم في سلة واحدة، وكذلك مستوى المصداقية لديهم، فعلى سبيل المثال يعتقد المحللون أن حوالي نصف الذين يقولون أنهم سيصوتون في الانتخابات لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع، هذا فضلا عن الحالة النفسية التي تكون عليها العينة أو بعض أفرادها فترة الاستطلاع، كل هذا دون أن نتطرق إلى حالة اللايقين التي يعيشها عالمنا المعاصر منذ جائحة الكرونا إلى حرب روسيا في أوكرانيا، وكل ما يتعلق بها من حروب التجارة والنفط والغاز والغذاء والدواء، فكيف يمكن الإجابة على أسئلة تتعلق بالسعادة أو الثقة بالنفس أو بالآخرين، ونحن جميعا قيد المجهول، واللامفهوم، ولعلي أختم بما قالته (ايليا بريغوجين) الحائزة على جائزة نوبل في الكيمياء « إن اليقين الوحيد الذي يمكن أن يتمتع به المرء هو أننا نعيش في عالم من اللايقين»!