الجمعة 29-03-2024
الوكيل الاخباري
 

الرعد الفلسطيني



أمضى الأردنيون والأردنيات سهرة يوم الخميس الماضي في متابعة تفاصيل عملية تل ابيب التي نفذها الشاب رعد حازم من مخيم جنين.
بلهفة، وقلق، وبهجة كانت مشاعر الناس وهم يسمعون الأخبار أولا بأول، فهم يدركون أن الفلسطينيين بعملياتهم الفدائية يدفنون مشاريع الاستسلام، والتطبيع، ويعيدون التأكيد على أن هذا الشعب الثائر حي لا يموت، وعدت أستذكر أبيات الشعر، “كان المخيم ينجب زعترا ومقاتلين”، وأيضا “أنا لا أعشق الموت لكنه سُلمي للحياة”، فيبدو كل ما قاله الشعراء حقيقة ماثلة، فقوافل الشهداء نهر متدفق، من المخيم، والقرية والمدينة، ويصدق كلام الشاعر مظفر النواب “فالنهر يظل لمجراه أمينا، وهؤلاء الشباب والشابات في عمر الورد لا يحبون الموت، ولكنهم يدركون أن استقلال وطنهم هو الطريق للحياة.

اضافة اعلان


شاب فلسطيني واحد لم يبلغ الثلاثين من عمره يجعل إسرائيل كلها تقف على قدم واحدة، هذا الرعد المزلزل كان لا يتجاوز السنوات الأولى من عمره حين وقعت اتفاقية أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وكبر، وأصبح شابا وما يزال يعيش على أمل أن يرى وطنه تحرر، وحلمه بالاستقلال قد أنجز، وحتى اللحظة لا يرى سوى الخراب، وفقر وتهميش، وسلطة فلسطينية متهاوية، وصراعات فصائلية، وحلم يتبدد.


عملية تل أبيب تأتي لتؤكد أن الاجتماعات السياسية لا تصنع سلاما ما لم تحفظ كرامة الفلسطينيين، وما لم يعترف العالم ويضمن لهم حقوقهم المشروعة في دولة فلسطينية.
رعد وحده بسلاح فردي أرعب الجيش الإسرائيلي، وفرض حالة الاستنفار، ومنع التجول، وكل المليارات التي تصرفها قيادة الاحتلال على التسليح لم توفر لهم الحماية، ولم تمنع هذا الشاب من التسلل والوصول اليهم، والانسحاب بهدوء والآلاف يبحثون عنه.


باختصار يملك الفلسطينون وحدهم مفاتيح الحل، وكل مشاريع السلام تسقط، وتصبح أوراقا في الأرشيف ما لم يقبل بها الشعب الفلسطيني، وليس بعيدا من اليوم رحل الرئيس الأميركي ترامب ومعه صهره المدلل كوشنير، ولم تجد “صفقة القرن” رغم التهديد والوعيد من يعطيها الشرعية فلسطينيا، وهذا هو الحال اليوم وغدا، مهما تعددت المشاريع، والسيناريوهات، والحلول، فبوصلة لا تشير إلى الحق الفلسطيني مشبوهة، ومرفوضة.


السؤال الذي يُطرح الآن ويُناقش، هل تكون عملية تل أبيب باكورة انتفاضة فلسطينية جديدة لا تُبقي ولا تذر؟، لا تعصف بإسرائيل وحدها، وإنما تمتد تداعياتها للسلطة الفلسطينية، وحماس، وما هي احتمالات أن تمتد الانتفاضة لتجد صداها بين فلسطيني الداخل، فيكون خطرها وأثرها على سلطات الاحتلال لا حدود له؟


لن تكون عملية تل أبيب هي الأخيرة، ولن يكون الفدائي رعد هو الأخير الذي يُضحي بحياته ليذكر العالم بآخر دولة احتلال في هذا العصر، ويُسلط الضوء على إسرائيل كنظام فصل عنصري، ويؤكد حقيقة بسيطة أن سياسات الاستيطان، والاغتيال خارج إطار القضاء، وهدم البيوت، والزج بالسجون، لن تجلب للإسرائيليين الأمان، والسلام، فالقوة والبطش أمام إرادة مؤمنة بالحق والتاريخ تصبح هشة، ولا تصنع سوى وهما لقوة غاشمة.

 

والحقيقة الباقية كالشمس، كانت تسمى فلسطين، وصارت تسمى فلسطين، وشعبها يكتب أبجدية للحرية لن تتكرر في التاريخ.
المجد للفلسطينيين الذين ما خانوا العهد، وظلوا أوفياء لوطنهم، وما فرطوا بذرة تراب من وطنهم.