الجمعة 26-04-2024
الوكيل الاخباري
 

انتهاء الأزمة والأولويات المؤجلة



المجتمع الأردني ديناميكي ومتغير بالرغم من علامات السكون الظاهرة على آخره. فبالرغم من الانشغال الواضح بالجائحة والتصدي لها تعمل العديد من القوى التقليدية والحداثية والطارئة على تقييم الأوضاع العامة في ضوء التحولات التي أحدثتها الأزمة في علاقة الدولة بالمجتمع والنجاح الذي سجلته الأجهزة في تقييم الأوضاع العامة وتبني الاستجابات المناسبة ومحاصرة الأخطار وحماية المجتمع.اضافة اعلان


في الأردن اليوم مزاج مختلط يمكن أن يتطور في أي اتجاه تبعا للطريقة والأسلوب الذي ستتخذه الدولة في إعادة ترسيم المستقبل والطرق التي سيسلكها المجتمع وصولا إلى المراحل والمحطات القادمة. بعيدا عن التفكير الإستراتيجي للدولة، التي أظهرت قدرات استثنائية في توحيد وتوظيف عناصر قوتها الأيديولوجية والقيمية والروحية والمهنية، يوجد في الأردن اليوم مجموعة من الأشخاص الذين يعتقدون بصلاحيتهم لكل المراحل والحقب بحيث لا تستقيم الحياة ولا الأوضاع بدونهم.

التحديات التي يواجهها الأردن اليوم وغدا تحديات جديدة في طبيعتها ونوعيتها وأبعادها وهي تحتاج إلى رؤى وتصورات تبني على مكانة وموقع وصورة الأردن دون الإسراف في التركيز على إعادة إنتاج الحالة السابقة بحذافيرها.

لو عدنا بالذاكرة إلى الأسابيع الأولى من العام الحالي لوجدنا أن غالبية الحوارات التي تدور كانت حول مستقبل الحكومة ومجلس النواب ومصير واتجاهات الإصلاح الاقتصادي ومدى الجدوى من إعداد وتقديم الحزم التحفيزية إضافة إلى السيناريوهات المتعلقة بكيفية استجابة الأردن للخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية باتجاه تصفية القضية الفلسطينية.

قبل أقل من ثلاثة أشهر كانت شعبية الحكومة في أدنى مستوياتها والطامحين والطامعين في خلافة الرئيس يلعبون أوراقهم تارة بالنقد للحكومة وأخرى بتقديم مقترحات لتجاوز الأوضاع وكثيرا من خلال ترتيب المقابلات الصحفية والجولات التي تظهر اهتمامهم بالشأن العام وتبرئة سجلهم من الاتهامات التي طالت نشاطاتهم وأعمالهم في الحقب السابقة.

للكثير من المراقبين والمهتمين كان واضحا أن مجلسي النواب قد استنفد آخر ما تبقى له من رصيد وأصبح الجميع يتوقعون رحيله عن المشهد بعد أن فقد مبررات بقائه واتضح حجم التباين بين الخطاب المعلن والمواقف الفعلية لأعضائه من السياسات والتشريعات والقضايا التي تهم المواطن.

مع ظهور الجائحة العالمية واستجابة الدولة الأردنية لتحدياتها تغيرت الصورة تماما واستعادت الحكومة ثقة الشارع بعد أن أظهرت قدرة عالية في الإعداد والتنفيذ والاستجابة والإعلام وديناميكية عالية في التعاطي مع المستجدات الأمر الذي دفع بالجميع الى الالتفاف حولها والإعراب عن التقدير والإعجاب بأداء طواقمها وأجهزتها.

خلافا لكافة التوقعات كان الحظ مساندا لحكومة الدكتور الرزاز فقد أسهم اعتمادها لمنهجية الحزم والمنصات إلى إعادة تأهيل الوزراء والطواقم في الإدارة العليا وإكسابهم معرفة أوسع بالواقع والمشكلات وسبل معالجتها من خلال برامج يتداخل فيها عمل الوزارات والأجهزة وتتخذ طابعا عملياتيا مشابها لما حصل في معالجة الأزمة لاحقا.

النهج الذي اتبعته حكومة الرزاز حلال الأشهر الأربعة السابقة على ظهور الوباء كان مهما وأساسيا في تهيئة الحكومة وطواقمها العليا للتفكير والعمل معا، وربما إنه العامل الأساسي في نجاح الاستجابة الحكومية وإظهارها كفريق قادر على العمل بانسجام وتناغم.

اليوم وبالتزامن مع العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية ودوران عجلة الاقتصاد والخدمات يعود التفكير مرة أخرى لما يمكن أن نقوم به جميعا لإعادة بناء أردن جديد بعيدا عن المحاصصة والاستزلام وبعيدا عن فكرة أن فلان لم يأخذ فرصته وعلان يحتاج إلى أن يسترضى.

من الواضح أن لدى هذا الشعب إمكانات وطاقات فكرية ومعرفية وعناصر قوة وإبداع كبيرة كما بات معلوما أن الإنسان الأردني تواق إلى العيش في وطن يتمتع به الجميع بحقوق متساوية تتجاوز الترتيبات التي تجري لاسترضاء أو استقطاب من يعتقدون بأنهم أولى وأحق وأكثر موهبة. فالأردن يكون واثقا وأكثر قوة حين يتيح للجميع التنافس ضمن أطر الدستور والقانون وحين يسعى لاستيعاب طاقات الجميع ويوفر له الحاضنة التي تمكنه من الإبداع والتميز.

الخيبة الحقيقية أن لا يستثمر النجاح الذي حققه الأردن في التصدي للأزمة العالمية في بناء أردن جديد واثق من نفسه خال من التشكيك والخوف، يسوده القانون بعيدا عن الترتيبات الجانبية التي يعتقد البعض أنها حق من حقوقهم وامتيازاتهم.