الجمعة 26-04-2024
الوكيل الاخباري
 

بعيدًا عن التلاوم والتشاؤم



العالم، ونحن جزء منه، يعيش الموجة الثانية من كورونا وقد كانت متوقعة وفق جلّ الخبراء، ولا حاجة ان نجلد انفسنا، ولا ان نحاكم قرارات الأمس بحكمة اليوم. نحن اليوم ايضا نختلف في الاجتهاد بين دعاة الاغلاق والانفتاح. وكنت شخصيا من مؤيدي الاغلاق بالأمس ولم أعد أعتقده ممكنا اليوم. حتى الاغلاقات الموقعية لأحياء وبؤر وبائية لم اعد أراها مجدية ولا اغلاق المطاعم والمرافق الخدمية والسياحية. يكفي منع التجمعات الكبيرة والحفاظ على اجراءات صارمة للتباعد، ولبس الكمامات بصورة دائمة في اماكن العمل والمساحات المغلقة وغسل اليدين كلما أمكن. هذه هي تقريبا التوصيات العلمية التي قد تمكن من حصر الانتشار أو ما يطلق عليه تسطيح المنحى وبقاء عدد الحالات التي تحتاج الى المستشفيات عند الحد الذي يمكن استيعابه.اضافة اعلان


التحدي الأكبر هو التمكن من تنظيم الحركة والحياة والعمل بإيقاع كامل وانتاجية جيدة وفقا لهذه الشروط الصحية. لم يعد محتملا استمرار الشلل في اي قطاع. وقد لا يكون القرار بيدنا في بعض القطاعات مثل النقل الجوي والسياحة لكن لا بد من ايجاد حلول ابداعية لتقليل الضرر. وقد تحدثنا في وقت سابق عن إمكانية تقليص عدد ساعات العمل والحضور الجسدي للأماكن المشتركة دون تخفيض الانتاجية والانجاز وأستحضرنا  تجارب طليعية في دول أخرى بتقليص عدد ايام وساعات الدوام في المكاتب والمؤسسات وبقاء الانتاجية في نفس مستواها واعلى. وبالاجمال نحتاج الى اعلى درجات التعبئة وبث الروح الايجابية، والادارة الديناميكية في كل مفاصل البلد أو ما يشبه حالة طوارىء وطنية تقوم على المشاركة والمسؤولية .

هذا ليس تنظيرا مجردا ففي البال تفاصيل كثيرة وكمثال واحد أسأل: هل نجمد مشروع خدمة العلم تحت ضغط الوباء كما فعلنا الآن ؟! أم نتحدى أنفسنا والظروف بالقدرة على التنظيم والاستمرار مع تلبية لشروط الصحية ؟ أليس هذا ما نريد ان نفعله لاعادة النشاط في كل القطاعات؟!

كان هناك مبالغة في تقديم التميز والانجاز الاردني بالعودة الى صفر حالات وخنق الفيروس في المهد واليوم لا نريد ان نذهب الى النقيض بالتلاوم والتشاؤم والاستسلام. والحال أن غياب اليقين هو سمة الموقف في العالم كله لكن في المشهد الكلي وأبعد من الجدل المباشر حول الاجراءات الراهنة يتجه الفكر السياسي الى مقاربة استراتيجية للاقتصاد والمجتمعات ترى افول المنظور الليبرالي الفرداني وعودة المنظور الاجتماعي ويشمل ذلك حتى الثورة التكنولوجية الرقمية هذا الى جانب مقاربة جديدة للعولمة  تقوم على التوازن بين مصالح الدول والشعوب والاقتصادات أو وفق التعبير الجامع الذي اطلقه جلالة الملك «إعادة ضبط العولمة».

قد يبدو هذا الحديث سابقا لأوانه ونحن نواجه الاستحقاقات الضاغطة ونقيس القرارات على ايقاع الحالات اليومية واضطراب المزاج العام. لكن القيادة التنفيذية الناجحة تستند الى رؤية استشرافية متماسكة للغد تنضبط على بوصلتها قرارات اليوم.