الثلاثاء 19-03-2024
الوكيل الاخباري
 

عقدة التوقيت في زيارة الوزير



زار وزير الخارجية أيمن الصفدي، بغداد، والتقى مسؤولين عراقيين، في توقيت حساس جدا، على مستوى الازمات العراقية الداخلية، وعلى مستوى الازمات الإقليمية والدولية.اضافة اعلان


هذه ثاني زيارة لوزير خارجية عربي الى العراق، بعد انفجار المواجهة بين ايران والولايات المتحدة، إثر مقتل الجنرال قاسم سليماني، واذا كانت الصياغات السياسية الاعلامية خلال الزيارة وما بعدها تحمل مؤشرات عامة، حول حرص العرب الا يكون العراق ساحة حرب بين الإيرانيين والأميركيين، الا ان أزمات العراق اليوم باتت اكثر تعقيدا.

الملك اتصل بالرئيس العراقي، وعدد من الزعماء العرب أيضا اتصلوا بذات الرئيس، والتجاذبات في العراق وصلت الى ذروتها بعد تبادل الاميركيين والإيرانيين للضربات في العراق باعتباره مجرد ساحة لتصفية الحسابات بين الطرفين.

الأردن مهتم جدا بعلاقاته مع العراق، لكن تطوير هذه العلاقات يبدو صعبا جدا، لاعتبارات سياسية وواقعية، فالعراق اليوم مشغول بجراحه، وامامه عشر أزمات ثقيلة تخنقه، وهي ملف النفوذ الإيراني في العراق، ملف السيطرة الأميركية على العراق، ملف الجماعات المتشددة واحتمال عودتها، ملف الفساد، ملف المديونية، ملف المظاهرات والاحتجاجات، ملف الصراع السياسي الداخلي بين الفرقاء العراقيين ، ملف تقسيم العراق وهو احتمال مطروح ومحتمل وقد يصير حلا بعد قليل، ملف العلاقات العراقية العربية، وملف النفط والثروات والمياه.

امام هذا المشهد يحاول الأردن ان يُبقي مسرب العلاقات مع العراقيين مفتوحا، سواء على الصعيد السياسي، او على صعيد التعاون الاقتصادي، لكن بلا شك ان العراق المثقل اليوم بالأزمات العشر السابقة، غير قادر على تفعيل علاقته مع الأردن، او مع دول عربية أخرى، بسبب حالة الانهيار التي يعيشها العراق، ليبقى الموقف المعنوي الذي تمثل بزيارة الوزير الى بغداد تعبيرا عن حالة تضامن مع العراقيين، امام المشهد الذي يعيشونه، مع رسالة سياسية ضمنية تقول ان خطر تحويل العراق الى ساحة حرب، يرتد على الأردن أيضا، لكن المشكلة في رسالة التضامن، ان كل طرف عراقي سيترجمها وفقا لتوجهاته.

من ناحية تحليلية، فإن انهيار العراق على المستوى الأمني، او حدوث حرب بين الإيرانيين والأميركيين، مع دخول اطراف عراقية، سيؤدي الى نتائج خطيرة داخل العراق، تصل بـتأثيراتها الى الأردن، مع التقديرات التي تتحدث عن احتمال صحوة التنظيمات المتشددة مجددا، التي قد تستثمر هذه الظروف للعودة، بحيث قد يجد الأردن نفسه امام مساحات متوترة في مناطق سنية غرب العراق قريبا من حدوده، هذا فوق الخوف من حدوث موجات لاجئين اذا انهار الوضع الأمني كليا، وهو وضع لا يحتمل الأردن كلفته، فوق ما فيه، إضافة الى الخوف من تأثير ذلك على مجمل الوضع الإقليمي في بقية الدول العربية القريبة من العراق، وتمدد نيران الحرب، وهذا يعني انعكاسا على ملف الامن الإقليمي.

علينا ان نتحدث بصراحة هنا، ونقول ان كل الأطراف تختطف المنطقة نحو المجهول، واذا كان الأردن يعبر عن مخاوفه بشكل غير مباشر، فإن بقية الأطراف لها حساباتها، وهي أيضا لم تتوقف منذ 2003 عن سياسات المغامرة بأمن العراق، هذا فوق ان الافتراض بكون البنية السياسية العراقية القائمة حاليا قادرة على وقف التدهور في المشهد، افتراض قد لا يكون دقيقا، بسبب هشاشة هذه البنية، إضافة لكونها غير موحدة، مع موجات الاحتجاج ضدها، وحالة الضعف العامة التي تجعل الإيرانيين والأميركيين وغيرهم، يقررون ما يريدون في العراق، الذي ستكون بواباته بوابات لجهنم في الإقليم اذا انفجرت المواجهة.

ليس من مصلحة الأردن ان تزيد حدة أزمات العراق، وهو يسجل موقفا سياسيا معنويا فقط بإرسال وزير الخارجية الى بغداد في توقيت صعب، مع معرفة الأردن مسبقا، ان الامر خارج يد الأردن، الذي لن يكون قادرا على منع الحرب، ولا منع صراع الثيران الذي نراه فوق صدر العرب في العراق الجريح ، لتبقى مجرد رسالة أردنية، قد تتبدد لاحقا امام التغييرات التي قد تأتي ببنية سياسية جديدة في العراق، او قد تأتينا بفوضى متعددة السيناريوهات فوق ان رسالة التضامن قد ترضي أطرافا في العراق، وقد لا ترضي اطرافا عراقية أخرى.