الثلاثاء 23-04-2024
الوكيل الاخباري
 

هل نحتاج برنامج إصلاح اقتصادي جديدا؟



تجربتنا على مدى الثلاثين سنة الماضية تؤكد أن إجابة سؤال العنوان تكون بنعم. في مرحلة ما قبل ثلاثين عاما توسعت الحكومات بالانفاق، ولم تلتفت لمؤشرات المالية العامة الرئيسة من عجز موازنة ودين عام واحتياطيات عملة، فكانت النتيجة شبه انهيار للاقتصاد وانخفاض قيمة الدينار للنصف، وتراجع إمكانيات الحصول على المنح والتسهيلات الدولية لعدم ثقة العالم باقتصادنا.

اضافة اعلان

 

هرعنا بعد ذلك للعالم ومؤسساته الاقتصادية والمالية طالبين المساعدة وبدأت رحلاتنا مع صندوق النقد والبنك الدوليين. نحن من ذهبنا لهذه المؤسسات، لم تأت هي لاحتلالنا وإملاء السياسات علينا. كنا بحاجة لبرامج مع المؤسسات المالية الدولية لأن العالم ومانحيه ومقرضيه لم تعد تثق بسياساتنا الاقتصادية والمالية بعد أن كانت نتيجتها انهيار الاقتصاد في العام 1989. في كل مرحلة بعد العام 1989 تخلينا فيها عن برامج الإصلاح المدعومة والمراقبة دوليا عادت الحكومات لسياسات الريعية والتوسع غير المدروس بالانفاق فزاد العجز والمديونية وارتفعت معدلات البطالة والفقر. كثير مما يعانيه الاقتصاد والمالية العامة للدولة الآن سببه مراحل ابتعدنا فيها عن الإصلاح المتابع دوليا، فكانت الحكومات بلا رقيب أو حسيب تعطي وتغدق تحت إغراء الشعبوية وعدم الاكتراث للمستقبل الذي سيكون به حكومات أخرى.

برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي صعبة ومرة وممقوتة من عموم الناس وهذا حقهم، لكنها بالمحصلة مفيدة للاقتصاد الكلي والدول بحاجة ماسة لها، وهي ليست تغولا على سياسات الدول فغالبا ما تكون مصممة بتشاركية للحكومات اليد الطولى فيها وليس لصندوق النقد، ويمكن لأي دولة أن لا تنفذ اقتراحات صندوق النقد وترفضها. الأردن ليس وحيدا في هذا المسعى بل تشاركه دول مثل مصر والمغرب وتونس وغيرها، ولنا في لبنان مثال حي حيث يقترب هذا البلد الشقيق من شفير الانهيار الاقتصادي والمالي لأنه لم يطبق النصائح الدولية ولم يلتفت لضرورة الحفاظ على مؤشرات الاستقرار الاقتصادي والمالي.

برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي القادم الذي يُعكف على بنائه الآن بدأ بإعلان وازن من قبل وزارة المالية وصندوق النقد، تضمن التأكيد على ضرورات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وأن النمو هو الهدف الذي سيحقق ذلك، مع مراعاة الانتباه لمعدلات الدين ونسبه وعجز الموازنة في أن تستمر بالاتجاه نحو الانخفاض. أي أن البرنامج يعي سياسياً ضرورة المواءمة المعقدة جداً ما بين إحداث معدلات النمو وبذات الوقت السيطرة على العجز والمديونية وبما يراعي الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. هذه ليست مهمة يسيرة بالمطلق، ولكنها تبقى بدُّ واجب التحقيق. أهم ما ورد من صندوق النقد أن الإصلاحات الهيكلية والمالية لم يتسن تحقيقها بفترة زمنية قصيرة، لذا فالصندوق مع إقراره بضروراتها يتفهم أنه لا بد من فترة زمنية أطول لتحقيقها وهذا ما سيترجمه برنامج الإصلاح الجديد.