الوكيل - سأستعيرُ من الحكاية اسطورة لكلينا، أرنبا لهوائك الساخن وغزالا لشرودي.
كنا نجلس هادئين في المقهى الزجاجي، تحتنا الماء وفوقنا الرب الذي يجري الماء من حوله. صرنا ندين مرحين. خصمين في لحظة ذروة ومن حولنا القطط. متى حدث ذلك؟ أقف في مواجهة بابك المغلق. أنصت إلى مواء قطة ينبعث من بين ثيابي. هي روحك التي تدربت على المواء تحت الأغطية.
‘إنه طائر النورس′ تقولين وأنت تشيرين إلى البحر. ولكن ما من بحر. ذكرى من بحر بيروت تخرج رأسها من بين دفاتري لتشتت بصري. المرئيات تتثاءب.
ستقولين ‘التقينا من قبل’ أؤيدك. كان علينا أن نلتقي من قبل. إذا لم نلتقِ فان ذلك يعني أن هناك خطأ في دورة الأفلاك. لم يكن لذلك الزمن الذي مر من معنى لو لم نكن قد التقينا من قبل. كان علينا أن نلتقي، كلمة في القداس وركعتين في الجامع الأموي ويحيى الذي لا يزال صغيرا يقف في انتظار مهمته الرسولية.
ولكن مِن قبل ماذا؟ ما من شيء قبلك.
ترمقني اللغة بنظرة اعجاب. لقد وهبتَ الجملة إبتسامة نادرة. ابتسامة لها حجم فيل مغولي من الذهب. يحق لك أن تبتسم بعد أن سلمت الجملة ابتسامة نادرة تصلح للتصوير. بعدها ستموت مبتسما.
أدخل معك إلى بيت غامض. بيت لا يشبهني. لا يشبهك. لا يذكر بي ولا بك. لا يتذكرني وبالقوة نفسها لا يتذكرك. غير أنه المكان الوحيد الذي يمكن أن يكون مأوى لغربتينا. الغريبة أنت بترفك. الغريب أنا بسعادتي. تنتحلين البؤس مثلما أنتحل الشقاء لننسجم مع حاجة أحدنا إلى الآخر. يتمكن الكذب النبيل منا حتى يلغي المسافة التي تفصل بيننا. أنا بطل حكايتك. أنت شهرزادي التي تروي. حدث ذلك في الماضي. هارون أنا ولكنك لستٍ زبيدة التي ذهبت إلى البيت الحرام مشياً على سجادة حمراء تمتد من بغداد إلى مكة. لا يزال في إمكان نزقك أن يجذبك إلى معبده.
‘لمَ لا تأتي معي؟’ تعرفين أنه سؤال زائد.
بك، معك ومن خلالك أذهب إلى الاختبار الالهي.
كان بوق اسرافيل مركونا على الجدار في منعطف الشارع.
‘اقبل الموت حبيبي’ تقول. ‘وأنا سعيد’ أقول.
‘هل رأيت الملائكة تعبرالشارع؟’ تقول.
‘ولكن مَن يرى الملائكة لابد أن يكون ميتا’ أقول.
‘نحن ميتان’ تقول.
يدك. أين تقع يدك؟ أمد يدي لألمسها. لابارك اصابعي بنعومتها. كانت هناك يد الاله لدى ليوناردو غير أنني كنت افكر بسيدة الربيع لدى بوتشيلي. كانت هناك يد، لكنها لم تكن يدا من رخام. مثل يدك كانت تلك اليد من زعفران. تجتمع الملائكة لتنفخ. أنفخ وأنا أكتب. زعفرانك يطير. ما من سلحفاة على الشاطيء. كان كل شيء خفيفا. رذاذ أصفر يكتب كلمات زرقاء على سقف السماء المائل.
‘نم هانئا’ تقولين فأتخيلك نائمة. ينعم ريش وسادتك الافريقي بزقزقة عصافيرك الآسيوية. أيها الشرق أصمت. إنها نائمة. أيتها الحروب إرحلي. إنها نائمة. أيها القطار توقف لتجر عربتها الملكية. يسبق غزالك أرنبي فأرقص. تسبق ناقتك بعيري فأسترد الصحراء. ليت الاعرابي الذي يقيم في داخلي يشفى من الغرام ليرى صورتك وقد انعكست في مياه النهر. لن تلتهمها الأسماك. سأصدق في لحظة هيام أن هناك سمكا بريا واضحك. لمَ لا؟ حوريتي تمشي بقدمين إنسيتين. أنظر إليها من الخلف وهي تلعب التنس. أين ذهبت الكرة؟ أيتها السيدة خبئي ضحكتك لكي أمر، رذاذ تلك الضحكة يغيبني وراء غيمته. سابحث عن تلك الكرة بين الحشائش. تتسلين في النظر إلي. تمنعين نفسك من الجري ورائي وتكتفين بالنظر البارد. أنت تنظرين وأنا أبحث. شيء منك يسقط على ظهري ليلمس أضلعي. هناك تقيم بلادي. يا لها من كلمة. يا لك من صورة.
ليست الصورة إلا فاتحة للغياب.
‘سأتبعك’ تقول
‘لمَ لا نمشي معا؟’ أتساءل
‘مثل أب وابنته، مثل أم وأبنها’ تقول
‘على الأقل سنخرج من نعاس الصورة’ أقول بأسى. تلتفت إلي وهي تمضي إلى النوم. يلتفت غنجها باشتياق فرس. سيلامسها السرير البارد فهي ابنته. تحرس ملائكته لقىً تزدحم بها خزانة جسدها. أقيس المسافة بين أصغر أصابع قدمها إلى شعرها بالتنهدات وابكي.
أكان علينا أن نلتقي هائمين؟
تحت بشرتها هناك حقل من القمح أمشيه ضائعا. علي أن أصدق أن سنابله كانت تميل علي لتقبلني. لم يحن بعد موسم الحصاد أم تراني حضرت حاملا رمانة دمشقية في رأسي، حمرتُها صارت تسيل على ثيابي لتفضح ولهي؟ في باب الجامع الأموي كنت قد وقفت أمام بائع شراب الرمان وتأملته. كانت رجولته تعصف بثمار الرمان. حين أخبرني أنه جاء من العراق قبل اسبوعين كانت خبرة الرمان قد سبقته إلى قلبي. لقد ودعته كما لو أنني لن اراه بعد ذلك اللقاء. كان بوق اسرافيل مركونا على حائط الجامع الأموي، في جوار النفق الذي يؤدي إلى المدينة الرومانية. قلت لنفسي ‘ما حدث امس سيحدث غدا’ غير أني لم أكن أفكر في أن يكون الحاضر من غير أمس، من غير غد، من غير أن أن يكون زمنا ليُسمى. يلج ليلا في نهاره ونهارا في ليله ويلعب بالكرات ويركب الخرائط، بعضها فوق بعضها الآخر ويموسق أصوات الحشرات ويخترق الغابة بجنود من حلوى.
‘الأميرة نائمة’ يقول الجني. أكتبُ الآن وهي نائمة. نومها يلهمني صلاة الغرباء النازحين إلى حقول، سيجها النبيذ بنكهة عنبه. هي نائمة. البلاد نائمة. الشرق كله نائم. سأقول لها أني رأيت صورتها ذات مرة في لوحة، كان شيخ ياباني يعكف على رسمها في أحد شوارع ناغازاكي. كان المعبد قريبا وكنت أبحث عن أثر لنهار مفقود. حين رأيت الشيخ جالسا على كرسي وهو يرسم وقعت في غرام لوحته. قال لي ‘إنها زهرته الوحيدة. زهرته الخالدة’
لم أنس الرسام ولا زهرته. غيرأنني حين التقيتك شعرت بان ذلك الرسام كان على حق. هناك امرأة تستحق أن تكون المرأة الوحيدة. المرأة التي يشعر المرء بانها تلخص كل نساء العالم. ما خُلق منهن وما لم يُخلق بعد. عصير الرمان الذي يتسرب من حقول متخيلة. كان الشاب العراقي يستعرض عاطفته الوحشية وهو يهرس حبات الرمان.
‘سنكون وحيدين يوما ما’ تقول
تعدني بأنها لن تكون نائمة. أعدها بأني لن أصطحب صاحبي الرسام الياباني معي.
‘كنت أود أن أرى زهرته الوحيدة’ تقول
أنظر إليها. إلى وجهها بالتحديد. ‘إنها تشبهك. صورة منك. هي أنت’ لن أقول لها. لقد اختفت تلك الزهرة. ‘متى حدث ذلك؟’ ‘حين صار علي أن أؤمن أنها كانت موجودة دائما’. موجودة من قبل. من قبل ماذا؟ صار الزمن يثقل على لساني. ساسلم نهاري لليل ثقيل من أجل أن يثق بي وأحدث النهر عن جفاف شفتي. كان علي أن أنام لأحلمك نائمة أكثر مني. لن أسبقك إلى النوم. فمن غير أن تكوني نائمة فانني لن أجرؤ على أن أكون الشخص الذي يقع في غرامك.
‘يا لها من كلمة’ تضحكين. الغرام يحلمك مثلما تحلمينه.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو