الخميس 2024-12-12 09:49 م
 

الأردن القوي

07:12 ص

الأردن يملك مقومات القوة رغم انف المتشائمين، ويستطيع أن يشق طريقه نحو المستقبل بثقة فيما لو استطاع امتلاك أوراق القوة الممكنة، وأخذ بعوامل البقاء والاستمرار، واشتق من رحم التحديات العديدة التي تحيط به من كل جانب فرصاً معقولة وجيدة، وتحمل آفاقاً مضيئة وسط هذا الركام، ولكن في الوقت نفسه اذا لم يتم المسارعة الى اشتقاق الفرصة والنحت في الصخر من اجل امتلاك القوة فان السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة .

اضافة اعلان


لقد حافظ الأردن على استقرار نسبي معقول خلال السنوات المضطربة السابقة التي كانت تحمل في أحشائها مهددات جمة وأخطار حقيقية عديدة، ويعود ذلك لجملة عوامل وأسباب تتفاوت في قوة تأثيرها في صياغة الموقف الأردني الحالي، ولقد سار الاردن على حبل مشدود بين المتناقضات، واستطاع أن يحتفظ بعلاقات سياسية جيدة مع مختلف الأطراف ذات العلاقة، وقد جرى الحديث في مقالات سابقة عن ملامح بعض الفرص على صعيد سياسي عربي إقليمي، وعلى صعيد اقتصادي وتعليمي وصحّي، ولكن ذلك سوف يبقى ضرباً من ضروب الحلم إذا لم يتم ترجمة ذلك إلى خطوات تنفيذية عملية قائمة على تخطيط ورؤية واضحة وإيجاد فريق يحمل هذه الرؤية بعزم وإصرار وقوة وحماس شديد.


في هذا السياق ينبغي الحديث عن جملة من المعوقات الخطيرة التي تعترض تحقيق هذا الطموح وتحول دون الوصول إلى هذه الغايات المشروعة والممكنة، بعض هذه العوائق تعود إلى الذات، وبعضها يتعلق بالظروف الخارجية على صعيد الجوار العربي والإقليمي، وكذلك على الصعيد العالمي من بعض القوى الدولية صاحبة المصالح الإستراتيجية في المنطقة.


على الصعيد الذاتي هي الأكثر أثراً والأعظم أهمية وتشكل أولوية كبرى يفرضها المنطق السوي، والتي تتمثل بعملية تطوير الذات وتجديد القدرات والأدوات والوسائل التي لا يمكن إغفالها أو تجاوزها أو تأجيلها، وضرورة اتخلص من كل مظاهر العجز وعوامل الضعف ضمن طاقتنا ووسعنا ولا يكلف الله نفسا الا وسعها .


العائق الأول: يبرز من خلال العجز على مواجهة الفساد المستشري الذي أخذ ينمو بشكل مضطرد، ويأخذ أبعاداً ثقافية جديدة تجعل منه ظاهرة مقلقة ومخيفة، رغم كل المحاولات المقدرة التي تمت في السنوات الأخيرة من خلال استحداث بعض المؤسسات المختصة مثل هيئة مكافحة الفساد، وهيئة النزاهة والشفافية، وديوان المظالم، وقبل ذلك ديوان المحاسبة، وربما استطاعت تحقيق بعض الانجازات واحراز بعض التقدم، لكن في الحقيقة لم تكن بالفاعلية المطلوبة التي تنال من جذور الفساد وتقضي عليه قضاء مبرما ، وربما يعود السبب إلى أن هذه المؤسسات لا تملك القدرة على مواجهة أصحاب النفوذ، وكذلك استمرار المنهجية التقليدية في فرز النخب التي ما زالت تستأثر بالمواقع التنفيذية العليا عن طريق توارث العلاقة والمعرفة والشللية القديمة التي لم تتغير، وهنا لا بد من عملية جريئة وجذرية شاملة من اجل تحقيق النجاة ، والتي تتيح للشعب الأردني الانتقال إلى امتلاك القدرة الجمعية على الاختيار والفرز والمحاسبة عبر منهجية ديمقراطية صحية مثل كل الشعوب المتقدمة بعيداً عن منطق الوصاية من جهة، وبعيداً عن منطق الخوف والريبة من عدم نضج الشعب الأردني الذي تحاول بعض النخب ترسيخه في ذهنية إدارة الدولة من أجل الاحتفاظ بمكاسبها التي استأثرت بها على حساب الوطن.


ليس هناك طريق للأردن إلاّ من خلال ترسيخ معادلة تكافؤ الفرص بين أفراد الشعب الأردني، عن طريق تحرر الشعب الأردني من النخب الفاسدة التي تشكل بئرا مكسورة تستهلك مقدرات الوطن بطريقة غير شرعية وغير نزيهة ولا عادلة .


العائق الآخر يتمثل بعدم وجود المؤسسات الناجحة القادرة على تمثيل الشعب الأردني تمثيلاً فاعلاً وعادلاً وسليما من كل الوجوه، تلك التي تحظى بثقة الشعب الأردني على الصعيد التشريعي والتنفيذي وهذا بقتضي إعادة النظر بالمنظومة التشريعية التي تغير طريقة الانتخاب والفرز واختيار المؤسسات التنفيذية، بحيث تكون منحصرة بالبرامج على وجه التحديد، ولا يسمح لأحد بالترشح الاّ من خلال مؤسسة حزبية برامجية تملك رؤية جماعية شاملة لادارة الدولة ، وهي التي تفرز الفريق الحكومي المنبثق من عملية الانتخاب البرامجي النزيه.


العائق الثالث يتعلق بالمسألة الثقافية التي تخص الشعب الأردني كله، بحيث يتم السعي نحو التخلص من ثقافة المحسوبية والشللية والعشائرية والجهوية والمصلحية الضيقة في تولي مواقع المسؤولية، وفي طريقة المراقبة والمحاسبة والتقويم، وإذا لم نستطع الانتقال نحو مرحلة الدولة الحديثة على صعيد الثقافة الشعبية، فإننا سوف نجعل من أنفسنا عائقاً أمام تقدم دولتنا ومجتمعنا، وسوف تسهم في اضعاف فرصتنا وسوف نعض اصابع الندم حيث لا ينفع الندم .


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة