الخميس 2024-12-12 08:29 م
 

اللعب الثقيل في الفراغ الكبير

10:18 ص



من حق بعض الأطراف أن لا تأخذ جولة الرئيس الصيني الحالية، والتي تشمل السعودية وإيران ومصر، على أنها بداية تحولات استراتيجية عميقة في سياسة الصين نحو الشرق الأوسط، وبداية انغماسها في قضاياه وصراعاته. في المقابل، من حق أطراف أخرى تراقب تنامي النفوذ الصيني، أخذ الجولة بجدية، إذا ما أخذنا بالاعتبار العملي أن الرئيس الصيني يتحرك في ساحة تعاني من فراغ سياسي واستراتيجي حقيقي.اضافة اعلان


على الرغم من زخم الزيارة، وازدحام العواصم بالحراك الدبلوماسي من دون نتائج حقيقية، فإن الحضور الصيني يأخذ معانيَ أخرى. إذ تأتي زيارة الرئيس الصيني ضمن مجموعة من الزيارات الدبلوماسية العديدة للرياض هذا الأسبوع، تشمل زيارة رئيس وزراء باكستان الإثنين الماضي، ووزير الخارجية الفرنسي الثلاثاء الماضي أيضاً، وزيارة وزير الخارجية الأميركي الحالية.

كل هذا، في الحلقة الغربية، لا يعبر عن شيء أكثر من الالتماع الشديد قبيل الانطفاء الذي سيغلق أبواب الشرق الأوسط حتى الشتاء القادم، إذ من المتوقع أن تحسم الانتخابات الأميركية المقبلة وبرنامج الرئيس الجديد، حجم الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط وطبيعته؛ فالمنطقة بحاجة إلى نمط آخر من السيولة السياسية والاستراتيجية التي افتقدتها خلال الأعوام الأخيرة.

يدرك العالم أن آخر برميل نفط في العالم سيستهلكه الصينيون. ويدرك الصينيون أن اقتصادهم ومصالحهم مرتبطان بهذه المنطقة أكثر من أي وقت آخر، في الوقت الذي يزداد إدراك الولايات المتحدة بأن حضورها وفعاليتها السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط باتت ترتب كلفا أكثر مما يعود عليها من مصالح.

فالولايات المتحدة تتجه أقصى الشرق؛ نحو مصالح جديدة وأسواق مختلفة واستثمارات غير تقليدية. فيما الصين تتجه نحو قلب العالم، وامتداداته المعاصرة في الشرق الأوسط القديم. الولايات المتحدة جربت فكرة إعادة تصميم الشرق الأوسط من جديد، لكنها بدل خلق الشرق الأوسط الجديد والكبير، أحدثت هذا الفراغ الكبير، حيث تفكك الشرق القديم، وإلى اليوم يعجز الجميع عن إعادة تركيبه مرة أخرى. أما الصين، فما تزال متمسكة بمشروعها 'طريق الحرير الجديد' الذي يضم 60 دولة، ومن المتوقع أن تصل استثماراته في العام 2020 نحو 500 مليار دولار.

الإدراك المتبادل في السياسة علم وفن وخبرة، تتطور مع التجارب والمراس. وهو أساس تقدير المواقف في التفاعلات الصراعية والتعاونية بين الدول والتنظيمات.

وقد عانى العرب من سوء الإدراك للتحولات على مدى القرن الماضي، لكن هذه المرة ما يزال الأمر غامضا. فالاقتصاد الصيني لا يستطيع العيش بعافية من دون المصالح العربية، إذ إن الصين التي تعد أكبر مستهلك للنفط في العالم، تحصل على أكبر حصة من وقودها من النفط العربي والإيراني، فيما الاستثمارات الخليجية في الهند والصين هائلة، وتوفر ملايين فرص العمل، علاوة على احتمالات صعود الـ'يوان' الصيني إذا ما عمدت دول الخليج إلى الاعتماد عليه. وقد كانت شركة 'أرامكو' السعودية، وليس الحكومات العربية، أول من أدرك أن مستقبل التفاعلات الاقتصادية للمنطقة سيتجه نحو الشرق وليس الغرب.

الفراغ السياسي الكبير الذي تعيشه المنطقة منذ خمس سنوات، يحتاج إلى نمط جديد من التفاعلات. والمشكلة أن العقيدة الصينية تحسب ألف حساب للتغير، ولا تميل إلى الاستثمار فيه؛ فمصالحها اليوم تتمثل في شرق أوسط هادئ ومستقر. لذا، يُفهم وجود الرئيس الصيني في المنطقة، ويُفهم حجم خشية الصين من أي مواجهة سعودية إيرانية.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة