كنا في وقت مضى نخشى على “الحريات” الاكاديمية ان تتراجع في جامعاتنا، خاصة وان نصيبنا من البحث العلمي لايزال متواضعاً جداً مقارنة بالدول الاخرى التي خصصت من موازناتها العامة جزءاً معقولاً لهذا المجال، لكن المؤسف ان التراجع لم يقف عند حدود حرية الاكاديمي في البحث والدراسة وانما تتجاوزه الى حرية الاساتذة والطلبة في التعبير عن انفسهم، لدرجة ان اي انتقاد للادارات الجامعية يمكن ان ينهي المستقبل التعليمي لاي استاذ او حتى طالب.
حصل هذا للأسف، ففي ثلاث جامعات رسمية –حسب معلوماتي- تعرض أستاذان وطالب الى سلسلة من “التحقيقات” بسبب اراء لهم نشروها في الفضاء الاعلامي، لم تكن اراؤهم تتعلق “بالسياسة” ولا بانتقاد الحكومة، ناهيك على انها لم تمس “الامن” الوطني، وانما انصبت على بعض القرارات والتجاوزات التي حدثت في جامعتهم، او في مجال التعليم العالي بشكل عام، احد هؤلاء كتب عن تجاوزات حصلت في مناقشة احد الطلبة لنيل شهادة عليا، حيث اكتشفت اللجنة ان “الرسالة” يشوبها الكثير من العيوب، واقرت رفضها، لكن المسألة اخذت اتجاها آخر، وحين كتب احد الاساتذة عن ذلك محتجاً، تم احالته الى التحقيق، أما ما حدث لأحد طلاب جامعة اخرى حين طالب بحقوق زملائه فقد أصبح معروفاً، اذ تم فصل الطالب لمدة اربعة فصول لمجرد انه اشهر رأيه على صفحته في الفيسبوك.
من المفارقات –الغريبة- ان التهمة التي غالباً ما توجه لك في مثل هذه الحالات هي “الاساءة” للجامعة، لكن حين تدقق فيها تكتشف ان المقصود هو “تكميم” الافواه ومنع كل من يجرؤ على الاشارة لخطأ ما من مجرد الكلام، وتحت عنوان “الحفاظ على سمعة الجامعة” لا سيما في البلدان التي تبعث طلابها للدراسة في بلدنا، يتم تخويف “المشاغبين” سواء من الطلبة او الاساتذة، على اعتبار ان اي انتقاد منهم لاي تجاوز سيلحق الضرر بالجامعة، وبالبلد ايضاً، وهكذا تبقى الاخطاء في دائرة “المسكوت” عنه، ويلتزم الجميع بالصمت، ثم نكتشف جميعاً ان اداء جامعاتنا يتراجع، وان التجاوزات تحولت الى اعراف مقبولة، وان من يريد ان يحافظ على “موقعه” استاذاً كان او طالباً لابد ان يلتزم بمنطق “وانا مالي..؟ ! في احدى الجامعات الرسمية اضطر اساتذة مميزون للهجرة الى جامعات اخرى في داخل الاردن وفي الخارج، للهروب من “سطوة” الادارة الجامعية ومزاجها غير “العادل”، وخسرنا في جامعات اخرى “قامات” اكاديمية معتبرة بعد ان ضاقت “صدور” الادارات الجماعية بهم ولم تنصفهم، لنكتشف ان عدد الاكاديمين “المهجرين” قسراً يتصاعد، وان ملف التعليم العالي ما زال محتكراً من قبل البعض، وان اصلاحه ما زال حبراً على ورق.
لا تسأل، إذا كيف تحولت جامعاتنا الى “قلاع” مغلقة على من فيها، او كيف أصبحت البحوث العلمية مجرد رحلة من عالم المقابر الى عالم المقابر، حيث معظم هذه البحوث استعادة لما قاله الراحلون الاموات ثم ان مصيرها “الادراج” والرفوف، ثم لا تسأل ايضاً لماذا يبدع شبابنا الذين يدرسون في جامعات اجنبية ولا نسمع لهم “صوتاً” حين يدرسون في جامعاتنا، لأننا للأسف نحارب النجاح والابداع واكبر حزب ضد النجاح “ مقره “ في جامعاتنا.
لا يوجد لدينا بالطبع اي مرصد اكاديمي يمكن ان يتولى رصد مثل هذه الحالات التي يتعرض فيها الاساتذة و الطلبة داخل الجامعات “ للتعسف “،عند اتخاذ القرارات من قبل الادارات الجامعية، كما لا يوجد لدينا نقابة للاكاديميين في الجامعات للدفاع عن حقوقهم، اسوة بغيرهم من اصحاب المهن، وبالتالي فان سطوة الادارة هي التي تنتصر، فيما لا تقوم مجالس امناء الجامعات بدورها المطلوب، واحيانا يبدو وكأنها تمنح الادارات المشروعية والضوء الاخضر لفعل ذلك.
اذا كان ملف الحريات سواء تعلق بالمجال البحثي او بمجال التعبير عن الرأي في القضايا التي تهم الاستاذ والطالب لايزال مغلقا و ممنوع الاقتراب منه تحت سطوة لجان التحقيق والانظمة والتعليمات التي اصبحت من الماضي، واذا كان النقد والاعتراض الذي كان يفترض ان يكون جزءا من رسالة التعليم الجامعي للطلبة اصبح محرما ومعاقبا عليه، فكيف يمكن ان نتحدث عن ملفات اخرى خارج اسوار الجامعة، وكيف يمكن ان نبدأ بإصلاح التعليم، وتحديث استراتيجياته، والاهم كيف نقتنع او نقنع الاخرين بأن الجامعة، جامعة فعلا، وان عنوان رسالتها هو الحرية والتنوير والانصاف، لا مجرد “ التلقين “ فقط .
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو