السبت 2024-12-14 03:57 ص
 

حديقة ذوقان الهنداوي

11:35 ص
كلما تطاولت علينا غاباتُ الإسمنت، ولاحقتنا عماراتُ علب الكبريت؛ تمنيت لو تُجهز حديقةٌ في كلِّ شهر أو أكثر في مدننا؛ لتعيد توازنَ أرواحنا المتعبة، وتدوّزن حياتنا اللاهثة المبعثرة.اضافة اعلان

فكيف ينمو الأطفال بعيداً عن أخواتنا الأشجار؟ أو يكبرون بلا رائحة الورود، وملمس التراب، وبعيداً عن قراءة العشب بالأقدام الحافية. كم أشفق على من لا تكتحل عيونهم بالأخضر، ولا يسمعون عزف أصابع الرياح على وتر الأغصان. 
كان يمكن للدكتور أحمد ذوقان الهنداوي، أن يبني مسجداً في بلدته نعيمة. لكنّه وبحسّ عالٍ من الريادة والمسؤولية الإجتماعية، تمثل حديث رسول الله عليه السلام، من أن أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ يدخله على مسلم. ولهذا جهّز حديقة على نفقته الخاصة؛ وقدمها للبلدية؛ لتكون إشعاع سرور، وصدقة جارية عن والده رحمه الله.    
نعيمة البلدة التي تتكئ على سفوج جبال عجلون، وتمتد شرقاً حيث سهول حوران، وذاكرة القمح، وحنين القبرات، وحداء الحصادين، وزغاريد الأمهات لمواسم الزيتون والأعراس، وحيث التراب حناء في حناء. نعيمة الزيتون والليمون والتاريخ الشموخ. نعيمة تستحق هذا. 
في إربد عروس الشمال، التي يقيم فيها أكثر من مليون إنسان ، ونعيمة إحدى بلدياتها، لا يوجد إلا 21 حديقة فقط، و2000 مسجداً وأكثر. وهنا سندرك كيف ستشكل الحديقة إضافة هامة لروح الحياة، وسرور أهلها، ومنفعتهم. 
من باب من لا يستحسنُ الحسنَ، لا يحقّ له أن يستقبح القبيح، أجدني أكتب عن هذه الحالات المضيئة. فقبل شهرين كتبت عن مدرسة محمد الصايل الحسبان رحمه الله، التي أقامها ولده الدكتور ياسين في المفرق، وقدمها لوزارة التربية والتعليم.
سرني مطلع الأسبوع، أن كنت في افتتاح حديقة حملت اسم رجل ترك بصمة في وجدان وذاكرة الوطن: معلماً شابا متحمساً في قرى الكرك، وأستاذا نيرا خدوما، ووزيرا متفانيا، وكاتبا وطنيا (مؤلف كتاب القضية الفلسطينية)، ونائبا يتذكره الناس بالخير كلما طرقوا اسمه. 
الرسومات التي تزين جدران الحديقة شدتني، فقد شارك برسمها عشرون طفلا مبدعا، كي يشعر أطفال البلدة أن الحديقة لهم، يحافظون عليها كبيوتهم. وهي المجهزة بملاعب نموذجية، وألعاب آمنة، وممرات ومقاعد، وآلات موسيقية، وأشجار. 
معظم الجامعات الأمريكية والأوروبية بنيت من التبرعات العامة، وهبات من الأثرياء. من هارفرد إلى فيلادلفيا في بنسلفينيا. ونحن للأسف يكاد يقتصر عمل الخير لدينا في بناء المساجد فقط. وكأنه حرام أن نسهم في إقامة الحياة، وتنويرها وبث السرور في أهلها، ببناء مدرسة، أو إقامة حديقة، أو تجهيز مكتبة.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة