ليلة العيد، وعلى بوابة أحد 'مولات' عمان المعروفة، وقفت الشابة معها طفلها الذي تحمله على إحدى ذراعيها، فيما تمسك بالذراع الأخرى فتى لا يبدو أنه تجاوز السابعة عشرة من عمره.
المشهد العادي المألوف أن تمر هذه الشابة بمرحلة التفتيش، لتدخل برفقة من معها إلى المبنى، حيث يتجولون كغيرهم من البشر؛ للتسوق، أو حتى للفرجة والترويح عن النفس.
لكن ما حصل فعلياً لم يكن ذاك المتوقع بداهة. إذ رفض موظف وموظفة الأمن إدخال الفتى من ذوي الاحتياجات الخاصة، رغم إلحاح الشابة وإصرارها على الدخول. كما لم تنفع 'وساطات!' بعض من رواد 'المول' في محاولة منهم لإقناع الموظفين بالعدول عن موقفهما، إذ اصطدمت كل محاولاتهم بالرفض، من دون مبرر في بداية الأمر.
الشابة أصرت على موقفها، وجادلت موظفي الأمن طويلا بحق الفتى في دخول 'المول'. لكنهما تمسكا برفضهما بحجة أن ذلك من ضمن تعليمات الإدارة.
ومع استمرار الموقف، وإن لدقائق قصيرة، تحت ضغط المطالبات بالسماح للفتى بدخول المبنى، ذهب الموظفان أبعد في تبرير القرار اللاأخلاقي، بوصف الشابة والطفل والفتى المرافقين لها بأنهم متسولون!
هكذا، انتهى الموقف المخجل والمحزن في آن.
غادرت الشابة وطفلها والفتى الذي التزم الصمت طوال مدة النقاش. فهو أضعف من موظفي الأمن وإدارة 'المول' التي فرضت تعليماتها القاسية واللاإنسانية بمنع دخول هذه الفئة المستضعفة إلى أسواقها الفخمة. الثلاثة غادروا مكسورين، وقد تملكهم حتماً شعور بالإقصاء والتهميش، بل والاحتقار أيضاً.
أما الأسوياء من غير ذوي الاحتياجات الخاصة، من وجهة نظر إدارة 'المول' طبعاً، فقد دخلوا يصولون ويجولون، مع قليل من وجع الضمير لدى من حضر المشهد السابق، حزنا على الفتى وشقيقته وطفلها الذين تم تقرير أن لا يسمح لهم بعيش لحظة الفرح في ليلة العيد بأدنى أشكالها، إن لم يسعفهم ضيق الحال بأكثر من ذلك.
أمثال هؤلاء كثر، يعيشون بيننا أغرابا منقوصي الحقوق. وهم يتعرضون لانتهاك إنسانيتهم على يد المجتمع، قبل كل المؤسسات، الرسمية والخاصة. وليكون الخلل والعيب فينا -نحن المفترضين بأنفسنا أننا 'أسوياء'- طالما لا نقدر كمجتمعات على احترام هذه الفئة وتقديرها، ومنحها الحد الأدنى من حقوقها.
فإن كانت النظرة لاأخلاقية تفتقر لأدنى حس إنساني، تجاه بعض من أضعف فئات أبناء جلدتنا وأقلها حيلة، وإن كنا لا نعرف واجباتنا تجاه هذه الشريحة، فسنبقى مجتمعات مريضة، تعتبر الإعاقة عيبا وإساءة للأسوياء، وهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن السوية إن حملوا هكذا نظرة معوقة بكامل إرادتهم، وبخلاف ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون بسبب مرض أو حادث خارج حتماً عن إرادتهم بأي شكل كان.
فلا أدري أي ذنب اقترفه الفتى، ليستحق قتل الفرحة في قلبه في ليلة عيد؟ لكنه في الحقيقة ضحية لأمراضنا نحن من نزعم أننا بشر كاملون بلا عيوب. رغم أن إعاقتنا الانسانية والروحية والأخلاقية أخطر بكثير من إعاقة فتى أو فتاة كل ذنبهما أنهما لم يولدا مكتملي الجسد أو العقل.
طالما أن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، لاسيما إن تكالب عليها الفقر أيضاً، هي مصدر خجل ورفض، فستبقى المجتمعات ممتلئة بكثير من الأمراض، والأخطر هنا إن ظنت نفسها مجتمعات سليمة معافاة، فيما هي بحاجة ماسة وملحة للعلاج.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو