الأربعاء 2024-12-11 02:41 م
 

منحوتات الشامي .. طين ينحته الإبداع

12:45 م

الوكيل - رغم أن الفلسطيني سلطان الشامي لا يملك أي شهادة جامعية، ولا أي مصنع ضخم سوى معامل صغيرة، ولم يعرض منتجاته في أي معرض عالمي، إلا أنه استطاع بيع أكثر من مليوني قطعة فنية في أقل من 10 سنوات.اضافة اعلان


بين أصابع الشامي ينطق الطين لغة جمالية فاخرة ويتحول الصمت والبرود والتماثل إلى إنحناءات، فتحكي المنحوتة الطينية قصة هذا المكان وذاك الزمان وتلك الشعوب، وهو أسلوب النحات التشكيلي الفلسطيني سلطان الشامي، الذي شد عدسة 'سكاي نيوز عربية' لمشغولاته الطينية.

ولعل ما ميز أعمال النحات سلطان، منذ الوهلة الأولى لمشاهدة أعماله الفنية، تفردها الذي يدفع بشدة إلى الغوص في التفاصيل والأجزاء الصغيرة فيها قبل الكبيرة، وكأن تلك الأشياء المنحوتة على الطين تنبعث منها معاني الواقعية المغرقة في العيش الذي يحفنا.

فبراعة النحت والإتقان اللذين يسودان هذه الأعمال يجذب للغوص في سر وعوالم هذا الفن الذي يحتاج إلى كثير من الملاحظة والمشاهدة والمتابعة والبحث والجهد والصبر، وربما قد فشل الكثيرون في تجسيد ذلك في لوحة أو عمل فني ينال إعجاب الجمهور.

فإذا تابعت ملامح الشامي وهو في انتقال مستمر بين الصورة التي يريد نحتها وبين مكعب طيني بين يديه، وهو يسدد له بعض النقرات المحترفة باستخدام أدوات حديدية بأشكال متنوعة تشبه أقلام الحبر، ستجده دائم الحرص على إبراز كل ضربة ووخزة في الطين، لأن كل لمسة على صفحة الطين الملساء الناعمة تبذر معنى مقصودا من الفنان.

وقد يستغرق ذلك العمل ساعات طويلة، وربما أيام غير متواصلة، ولم يحرك الشامي قعدته، ولم يخرج عن هدوئه التام الذي يسكن وجهه وتركيزه الملحوظ، لتدرك كم يتطلب هذا الفن اليدوي من صبر وصفاء ذهن.

مفتاح الصبر

ولأن هذا العمل يحتاج الكثير من الدقة، فإن حديث الشامي عن سبيل الاهتداء إلى ذلك بدأ من صفة أساسية يرى فيها سلطان أيقونة النجاح في هذا العمل الإبداعي ويقول: 'هذا العمل ليس سهلا، ويتطلب كثيرا من التركيز وخاصة الصبر، وإعطاء نفس طويل للروح الإبداعية التي تسكن جوارح الفنان، وإذا لم تتوفر هذه الميزة ضاع كل شيء، خاصة بعد أن أضحت الآلة والتكنولوجيا هي مصدر إنتاج هذا الصنف من الفن'.

ولعل ما يدعم حديث سلطان وجود كثير من السلع والمنتوجات المنتشرة التي تحمل نفس الملامح ومن شركات إنتاج عملاقة تحاول السيطرة على سوق بيع التحف والهدايا التذكارية لأهم المعالم الدينية والأثرية في الأراضي الفلسطينية، خاصة السياح والحجاج الأجانب الذين يبحثون عن أي شيء يذكرهم بالبلاد المقدسة.

قصة صمود

ورغم أن هذا العمل يتطلب الكثير من الصبر على المنافسة النهمة، فإن الشامي صامد في جبهة فنه الإبداعي، وجعل مهنة النحت والرسم على الفخار سبيله الوحيد في الحياة، بعد أن أوصدت كل السبل في وجهه حين حصل على شهادة الثانوية العامة، ولم يستطع الالتحاق بالجامعة، كونه لا يقدر على تغطية تكاليف الدراسة فيها، ولم ينته به الأمر عند هذا الحد، بل أثقلته الديون بعدما تراكمت عليه خسارته لشركة أعمال قام بإدارتها.

بعد عناء صار سلطان المورد الوحيد للهدايا والتحف التذكارية التي يقدمها رئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هينة لضيوفه من رؤساء ومسؤولين
لكن هذه الظروف لم تكسر الشامي بعد أن وضعته على واجهة التحدي ويقول: 'دفعتني الظروف من جديد كي أجد عملا أعتاش منه، فرجعت إلى أعماقي وبحثت عن الشيء الذي أحبه، لا سيما أني أمتلك موهبة النحت التي لا تحتاج إلى مال كثير ولا مواد، بل على العكس تحتاج إلى تفكير وعمل مستمر، وبالفعل بدأت بنحت قبة الصخرة المشرفة، والقدس بكميات بسيطة وتمكنت من بيعها إلى أحد تجار الهدايا والتحف التذكارية وكان ذلك في عام 2000'.

وسكت قليلا كأنه يجمع أفكاره ثم تابع: 'لكن ظهر منافس قوي جدا لا يمكن مجابهة وهو المنتوج الصيني، وشكل ذلك تحديا كبيرا بالنسبة لي لأنه يشبه إلى حد كبير المنتوج الذي أنتجه وهو أقل سعرا، لذلك حاولت أن ابتكر أشكالا جديدة للأماكن المقدسة التي يفضلها السائح والزائر، إضافة إلى ابتكار ألوان جديدة تختلف عن الموجودة في السوق، وهذا العمل أخذ مني كثيرا من الوقت والجهد والتفكير والعمل'.

وبعد جهد وعناء اختلف الأمر وأضحت تربط بين سلطان ومهنته والأماكن المقدسة من جهة، والسياح الأجانب، ومحبي التحف من جهة أخرى علاقة وثيقة، لأن أعماله الفنية أضحت تباع في معظم محلات التحف والهدايا التذكارية في الضفة الغربية، ودول أوروبا الشرقية وأميركا الجنوبية، حتى أنه صار المورد الوحيد للهدايا والتحف التذكارية التي يقدمها رئيس الحكومة المقالة في قطاع غزة إسماعيل هينة لضيوفه من رؤساء ومسؤولين.

والملفت أن سلطان استطاع أن يبتكر منتجات لجميع الديانات السماوية الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية، وكل ديانة لها أشكالها ومزاياها الخاصة واحترامها أيضا، وفي هذا الصدد يقول: 'أنا أكن لهذه الديانات كل الاحترام والتقدير لهذا لا يمكنني إلا أن أكون دقيقا في عملي وأهتم في أدق التفاصيل'.

على هرم النجاح

لم يكن ما ذكرناه هو كل النجاح الذي حققه الشامي، فالمفاجأة التي أسرت سلطان وأهلت الكثيرين هي ما وصلت إليه إحدى القنوات الإخبارية الروسية حينما قامت بعمل تحقيق استقصائي حول من يسيطر على صناعة التحف والهدايا في الأراضي الفلسطينية، وكان يعتقد أن الصين هي المسيطرة، لكن بعد البحث تبين أن ذلك غير صحيح حينما تم الانتهاء إلى أن منتجات سلطان الشامي أو الأرض المقدسة -وهي اسم شركة سلطان- هي من تسيطر على هذا القطاع.

لكن ما سر الذي يقف وراء نجاح سلطان في جذب السياح والأجانب لشراء منتجاته الفنية فكانت الإجابة وبسيطة وواضحة حين قال: 'إن سر نجاحي في عملي هو أنه نابع من القلب وأنني أحب ما أقوم به'.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة