الخميس 2024-12-12 02:43 ص
 

إنهاء القضيّة نهائيّاً أو إعلان دولة فلسطين

د. محمد القاسم الحمد
09:16 م

الوكيل الإخباري - كتب المتخصص في رسم السياسات والدراسات الأمنيّة الدكتور محمد القاسم الحمد مقالاً حول الأحداث التي تشهدها فلسطين الآن.

التالي المقال:

اضافة اعلان


أمران لا ثالث لهما: إما سيطرة إسرائيليّة (هكذا بدت الأمور في بدايتها)! أو دولة فلسطينيّة (كما تبدو في غايتها).


متى ما توقفت الحرب، وكل حرب تنتهي! سيُعْلَنُ نصر المقاومة أيّا كانت نتائج الحرب، وتبدأ بعدها مرحلة جديدة كانت إسرائيل تريدها سيطرةً كاملةً وإنهاءً للقضيّة الفلسطينيّة، فحوّلتها "حماس" تحريراً لغزة ونصرةً للأقصى فأصبحت (فلسطين الدولة) هي المَطْلَبْ لكل الأطراف... جائزة لمن يفرض الأمر الواقع.


ستنتهي الحرب وقريبا جداً لأن إسرائيل قد استنفذت مدتها، الأمريكيّة، و اقتصادها على شفير الإنهيار، وجيشها بدأ يتملل، بل وبعض كتائبه بدأت تتمرد على حرب نتنياهو، وغرقت دبابته في رمال غزّة، وبدأت تلوح في الأفق علامات خسارة ثانية مدوّية ومذلّة لجيش الوهم. فتلاشت أهداف حكومة الحرب، وتقلّصت طموحاته باحتلال غزّة، والتهجير المزدوج، ولم يهزم حماس، بل أقضّت أشباح القسّام مضجعه، ونثرت أشلاء جنوده في أرض غزّة، فهرول لأمريكا ورئيسها للضغط على مفاوضي المقاومة لتحسين شروط تبادل الأسرى، ولعلّه الأكثر حرصاً الآن لوقف الحرب ولو بهدنة قصيرة أولاً، يتبعها هدنة أطول، ويعقد صفقة تجلس بها إسرائيل مستمعة لشروط المقاومة لبحث موضوع الأسرى وتبيض السجون.


فالعالم أدرك أنّ نتنياهو أصبح عبئاً عليهم وهو وحده مِنْ يصر ويرفض ويقرر ويكذب لمصلحته الشخصيّة وأحرجوا أمام خاسر ومهزوم يريد الإنتقام في جرائم حرب غير مسبوقة، وفي لعبة السياسة وعُرْفها يصبح "غيابه" أو "تغييبه" مسألة وقت سواء بالسجن كرؤوسائه السابقين، أو بالاغتيال مثل إسحاق رابين.


ولعلّ الضغط العالميّ لو استُثمر الآن بشكل فاعل، (بعيدا عن المرجفين الطامحين لركوب موجة النصر ولو متأخرين)، سيؤدي إلى البدء بترتيبات إعلان الدولة الفلسطينية. ويكون شكل الدولة الفلسطينيّة اعتمادا على نتائج ما تفرضه المقاومة على الأرض في حلول شاملة غير مجزأة. 


فالأولوية لوقف إطلاق النار أولاٍ وعاشراً، ثم إعلان الدولة الفلسطينيّة مستقلةً، ثم بحث التسويات السلميّة بحل الدولتين أو صياغة جديدة تغيير قواعد اللعبة.


كل هذا رهن بصمود المقاومة الفلسطينية، وقدرتهم على التفاوض ووعيهم وحذرهم من مكر الإسرائيليّ وخداع وعود الأمريكيّ. فالوهم يدفع صاحبة للسعي وراء السراب. فلقد سابق الإسرائيليون الزمن لإغتنام فرصة لن تتكرر في ظل مجتمع دوليّ منقاد بالكامل لهم، فأقنعوا إدارة الرئيس الأمريكي بسيناريو الحلم: (إنهاء القضية الفلسطينيّة وللأبد). معتمدين على تقارير استخباراتيّة وأمنيّة تفيد بأنّ العالم العربيّ يَغطّ في سباتٍ عميق، فدُولُه مكبّلة باتفاقيات أو تفاهمات تعيق الحركة أو ردّات الأفعال، شعبه لاهٍ بكل شئ وبلا شئ، بعضهم مهموم برزقه، وبعضهم لا تعنيه الدنيا حولهم، وبعضهم يتقاتل حول فُرْقة دينيّة، أو إثنية! وشبابه، بلا هويّة أضاعتهم "السوشيال ميديا" ومأخوذين بالنموذج الغربيّ، وقوّة الشارع العربيّ التي كانت سائدة في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين تلاشت ولن تتكرر، ناهيك عن سيطرة مجموعات أدارت المشهد السياسيّ في عديد من الدول العربيّة ونظّرت بأفكار تدعو لمهادنة إسرائيل وعدم إزعاج أمريكا.


وبعد تجييش الإعلام العالميّ لتشويه حماس وغزّة بما يستفز مشاعر المواطن في الغرب ويرعبه ويشعل الكراهية لديه بإعلام جوبلز (اكذبوا ثم اكذبوا حتى تصدقوا أنفسكم أو حتى يلصق شئ في أذهان الجماهير).،استغلّت ضعف الرئيس الأمريكي بايدن وحاجته إلى الأصوات في الإنتخابات القريبة القادمة للحصول على دعم بلا حدود سياسيّا وعسكريا، استمالت فرنسا وألمانيا وسيطرت على بريطانيا سوناك، فجعلت تل أبيب مَحجّاً لزعماء أوروبا الطامعين مع أمريكا بغاز المتوسط وطريق الهند التجاري إلى العالم وتحجيم طموح الصين وطريق الحرير، ولجم روسيا بوتين وتحكّمه في الغاز الذي أذلّ أوروبا. فأنهت (دبلوماسيّة الغاز) وتأهبت لوضع يدها على حقول الغاز في البحر المتوسط: حقل غزّة مارين (قرب ساحل غزّة)، وحقل تمار وليفياثان (قرب إسرائيل)، وحقل أفرودايت (قرب الساحل القبرصي)، وحقل ظهر (قرب مصر).


فهاجمت جويا بجنون، بقصف عشوائي بلا هواده، والضرب بعرض الحائط بالقوانين الدوليّة والمجتمع الدوليّ والإتفاقيّات والقوانين والأعراف السياسيّة، والاعتراضات الشديدة، وردّات الأفعال الغاضبة حول قتل الأطفال والشيوخ والنساء والأطباء والإعلاميين والتدمير المتعمداً للمستشفيات والمدارس والقضاء على سبل العيش حتى يقول الناس كفى سنغادر فيهجّروا أنفسهم قسرا، خوفا وجزعا ... وتطول مدة الحرب ويطيل النتن ياهو عمره السياسيّ. ثم يكون تهجير أهل الضفة إلى الأردن... ( تصبح المسألة عندها تحصيل حاصل، وتثبيت واقع لأن العالم قد سكت عن التهجير الأول فلن يفعل شيئا في التهجير الثاني). كل هذا لم تستطع إسرائيل فعله وفشلت فشلا ذريعا وانكشف جيشها بشكل فاضح أمام مقاومة تقاتل بأسلحة لا تقارن مع أسلحة متطورة ومتوفرة بكثرة، وظهر الوجه الحقيقي لدولتها أمام كل العالم كأبشع وجه لإستعمار بغيض، ودولة مارقة تقودها عصابة متطرفة.


فاستبسال كتائب القسّام بتكتيكاتهم المعتمدة على تدريب عالٍ، وإنضباطٍ كبير، وصبرّ هائلٍ، وإدارة للمعركة بحرفيّة عاليّة، ومعها تضحيات أهل غزّة وصمودهم ودعمهم للمقاومة وعدم إنقلابهم عليهم في مشهد سيذكره التاريخ طويلاً، والضغط الجماهيري العالميّ، أفشل كل ما خططت له إسرائيل وكل ما قدمته استخباراتها كان مما جعلها فضيحة معلوماتيّة واستقصائية لجيش يدّعي السيطرة على سماء فلسطين وأرضها وبحرها وفضائها السيبراني. فالغباء السياسيّ الكارثي لمن يديرون المشهد في إسرائيل جعل من فلسطين قضية عالميّة، وأعاد الحراك للشارع العربي وحدد قبلته بإتجاه فلسطين وقدسها وغزّتها. 


فشل يتبعه فشل تجلّى بوضوح بالحديث عن ترتيبات لغزة ما بعد حماس قبل وقف القتال وتسابق الأمريكيون والإسرائيليون لطرح سيناريوهات لمن يحكم في غزّة بعد الحرب أو بعد حماس في حرب نفسيّة بائسة لا تؤثر على فتى غزّيّ في الصفوف الأولى في المدرسة ! فمَنْ سيجرؤ على أن يأتي على دبابات المحتل أو شريكه الأمريكي!


خطيئة إسرائيل أنّها لم تقرأ حماس ولا المقاومة وقوتها، وخطيئة أمريكا أنها لم تقرأ أنّ في العقل العربيّ مكتوبٌ: فلسطين، وفي الدم تجري: فلسطين، والقلب ينبض بهوى: فلسطين...فسقطت هيبتهم في رمل غزّة، وأضاع الأمريكان جهد 30 سنة من التطويع والترغيب والتجنيد الفكري لأجيال عربية غُذّيت على حب قيم أمريكا وتقديس الحلم الأمريكيّ وحق الإنسان في أن يكون إنسانا...بلاد الجاز والحرية كذبة كبيرة غَدَتْ، وذهبت مع الريح مع كل رشقة صواريخ للقسّام، ومع كل قطرة دم غزّية، وتلاشت في الهواء هي وإسرائيلُها مع كل: (النقطة صفر) القسّاميّة.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة