الخميس 18-04-2024
الوكيل الاخباري
 

الحارة ليست حارتنا



أمضيت فترة طفولتي ومراهقتي وبداية شبابي في جبل النظيف، عرفت الجبل وأزقته وحاراته، عرفت المثقف والمتعلم والأستاذ وغيرهم من الفئات، وما زلت حتى الآن أتردد بين فينة وأخرى على الحي، أدخل حاراته وأزقته، وشوارعه الضيقة، أعرف كثيرا من اهله، ألتقي بهم، ألقي السلام حينا، وأتبادل التحايا مع آخرين، أطمئن عليهم أسالهم عن أحوالهم وأحوال الجبل وقاطنيه.اضافة اعلان


يقطن جبل النظيف اكثر من 130 ألف نسمة، أغلبهم أناس طبيعيون لهم مشاغلهم ورزقهم، يعيشون تحت خط الفقر، واولئك ليس كلهم زعرانا او اصحاب سوابق، ومؤكد أن أولئك لا يمتهنون الدعارة، والمؤكد ان هذا الجبل الحيوي فيه مبدعون ومثقفون، وطبيعي في ظل تدفق المخدرات على البلاد بهذا الشكل المخيف ان يتواجد متعاطون ليس في جبل النظيف فحسب، وانما في كل مناطق الأردن من اقصاه لأقصاه، ومن لديه كلام غير ذلك فليأتِ ببرهانه.

وأعتقد ان الحديث عن مداهمة هنا وهناك والتي نسمع عنها يوميا تدلنا لحجم المشكلة، وأراني أميل لرؤية مبدعين ومنتجين وكتاب يلامسون الواقع ويتحدثون عن من يمول عصابات المخدرات ومن يسكت عنها، والذهاب ابعد من إلقاء الضوء على متعاطين دون امتلاك القدرة والشجاعة للدخول لوكر أولئك القتلة، فنحن بحاجة لكشف اسماء التجار والمروجين وفضحهم للرأي العام.

وللتذكير فإن رسالة الفن هي النبش في تلك القضايا المسكوت عنها والضغط بقوة لمعرفة إن كان هناك متنفذون وراء تجار المخدرات، وتتبع آلية وصول المخدرات بهذا العدد الهائل، وعدم الذهاب لبحث قضايا اقل من ثانوية، وإسقاط الفاظ نابية على أي عمل حتى يقال اننا بتنا نحاكي الواقع ونعكس صورته.

كانت تلك مقدمة مهمة قبل الدخول في نقاش دائر حاليا حول فيلم الحارة او الزقاق حسب ترجمته بالإنجليزية، وأعتقد أن الاسم لو انحصر بالزقاق بالعربي افضل من تسميته بالحارة، فكلمة الحارة اعم واشمل وقد تشمل سكان المنطقة بأكملها.

ولعل الملفت ان من يتصدى للدفاع عن اي عمل يتضمن الفاظا خادشة يستهويهم الخروج عن المألوف في القضايا البسيطة المجتمعية ويغيبون ويتقهقرون وينسحبون من المشهد ولا نراهم عندما نبحث لهم عن موقف يتعلق بقضايا كبرى، كموقفها من تطبيع بعض دول العرب مع الكيان الصهيوني، او الغاز الصهيوني، او موقفهم من منظمات حقوق الانسان والامم المتحدة التي تسكت عن انتهاكات لا حد لها يقوم به الاستعمار الارهابي الصهيوني، فيما يقفزون بأقلامهم للدفاع عن حق الممثل او الممثلة في التلفظ بكلمات نابية، وكأن المشهد لا يستقيم الا اذا قيلت تلك الكلمة، والمؤسف اننا لو اردنا عقد مقارنة مع مسلسلات وافلام، فإننا لن نجد ابدا مسلسلا اجتماعيا ناقش قضايا الاسرة اكثر من الفصول الاربعة للمبدع حاتم علي هذا المسلسل الذي لا نمل منه وتشعر انه يمثلنا وقد وصل للجميع دون كلمات نابية ودون تعقيدات نفسية.

لا أود الدخول في تفاصيل او الجدل في قضايا يراها البعض ان الفيلم أراد منها كسر الواقع القائم الحالي وقرعا للجرس، وإناطة اللثام عن المسكوت عنه، ولأنني أعتقد ان الخلاف في الرأي حول ما يطرحه فيلم الحارة الذي شاهدته مؤخرا وشعرت أنه يتحدث عن جبل النظيف، لا يعني رفض الفن كرسالة هادفة او استحضار رؤى سوداوية كما يحلو للبعض أن ينعت بها كل من يختلف معهم في رؤية المنتج، فإنني لا أرى أن ادخال إلفاظ نابية في الاعمال السينمائية الأردنية المحدودة أصلا والتي لا تصل لعدد أصابع اليدين لن يزيد قيمة المنتج، فالمنتج قيمته بقصته وحواره وقدرة فنانيه وكاميرا المخرج وصدق الرؤية والهدف، وطرح قضايا أوسع من تلك التي نرى بعض الاعمال الأردنية تحاكيها، فالنصوص الأردنية التي تتحول لأفلام باتت تعتمد في تسويقها على وجود الفاظ نابية باعتبار أن هذا انعكاس لواقع، وأن تلك الكلمات تسمع اينما ذهبت، وهذا هروب للأمام وابتعاد عن الخوض في عمق المشاكل المجتمعية وتشخيصها ووضع الاصبع في المكان الصحيح، فالأصح ان نسمع حوارات قوية ومعالجات في العمق بدلا من تلويث إذ إننا بكلمات نابية أعتقد أن المشاركين في الفيلم يخجلون من التلفظ بها امام أسرهم، ولا يحق لأحد أن يدعو كل من يرفض وجود مثل تلك الكلمات لعدم المشاهدة، فالمشاهدة حق وانتقاد المنتج متاح للجميع أيضا.