الأحد 28-04-2024
الوكيل الاخباري
 

السياسي والخبير والحزب



قبل أن تتشكل اللجنة الملكية للتحديث السياسي كانت لدينا ما تعرف بالصالونات السياسية التي يتداول فيها الحاضرون على اختلاف مشاربهم وخلفياتهم الرسمية أو السياسية في الشؤون العامة والأوضاع السائدة على المستويات المحلية والإقليمية وربما الدولية، تبعا للأحداث الأكثر حضورا في وسائل الإعلام ولدى الرأي العام الأردني، ولم تكن- وما تزال- مجرد أحاديث لا تجتمع على رأي، ولا تخرج عن إطارها المحدود بعدد الحاضرين على غداء أو عشاء أو ما دون ذلك، أي أن الفائدة منها تظل في مكانها لا يستفاد منها، لا من قريب ولا من بعيد!اضافة اعلان


ليس تقليلا من شأنها، ولا انتقادا لها، ولا إنكارا لوجاهة ما يثار في بعضها من آراء تنبع من صميم وطنية صادقة، وحرص على الوطن ومصالحه العليا، ولكن من أجل التأكيد على عملية التحديث السياسي وما أسفرت عنه من قانون للأحزاب وآخر للانتخاب، وتوجه حقيقي لتوسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، ذلك أن الأحزاب الجديدة يمكن أن تكون الحاضنة المشروعة لجميع الأفكار والآراء التي يتم تبادلها على نطاق ضيق لتصبح بمثابة العقل المفكر لبرنامج الحزب السياسي القائم على الحكمة والدراية والتجربة الطويلة في قضايا الوطن وأولوياته وطموحات شعبه، والمتطلع إلى تعزيز عناصر قوة الدولة ومصالحها، ومستقبل أبنائها.

تقدم لنا وسائل الإعلام كل يوم الكثير من الخبراء الذين يتحدثون في كل شأن، ولولا أنني لا أريد الخروج عن فكرة دعوتهم جميعا للانضمام إلى الأحزاب الناشئة لتوقفت طويلا عند مصطلح ومعنى الخبير الذي يمتلك العلوم النظرية والمنهجية العلمية، والخبرة العملية، ويبني رأيه وموقفه على معرفة دقيقة بالبيانات والحقائق والمعلومات، ومع ذلك يكفي أن يكون المرء مهتما بقطاعات بعينها كي يأتي بما لديه إلى الحزب مشاركا في النقاش المنطقي والحوار الإيجابي الذي يقود إلى صياغة برنامج الحزب في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والصحة والتعليم والسياحة والطاقة وغيرها من القطاعات، في إطار ما يعرف بحكومة الظل التي تتابع برامج الحكومة وتحاكمها، ولا تتردد في النصح أو الانتقاد أو حتى المعارضة إذا لزم الأمر!

الأحزاب بحاجة للسياسيين وللخبراء، والنخب الفكرية والثقافية والإعلامية، مثلما هي بحاجة للشباب والشابات كي يعبروا عن آرائهم ويشرحوا مطالبهم، ويكتسبوا خبرة العمل الحزبي مع الوقت، وكذلك المرأة بكل ما تحمله من أفكار وتتحمله من أعباء، وما تواجهه من مصاعب، وفي هذا الفضاء الرحب من التعبير المنظم تتهيأ البيئة السياسية الصحيحة، وتنشأ الثقافة الحزبية التي ترتقي بتجربتنا الديمقراطية، لتمضي بها إلى مرحلة الأغلبية الحزبية البرلمانية التي تتشكل منها الحكومات بصورة جزئية أو كلية.

إن أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه السياسيون والخبراء هو عزل أنفسهم عن هذه الحيوية الجديدة التي يعيشها الأردن في نهاية مائة عام من التجارب الحزبية المريرة وبداية مائة عام ثانية تتفتح فيها السبل نحو بدايات واعدة تضمن لنا العمل الوطني المشترك من أجل الحفاظ على مكتسباتنا الوطنية، وتثبيت أقدام بلدنا في هذا المحيط الإقليمي المرتبك، وتقوية عزيمته على التعامل مع المتغيرات الدولية على كثرة تناقضاتها وتحولاتها المفاجئة!

ليس من الصواب التفرج عن بعد، ولا تداول الأحاديث عن الأحزاب من باب الحكم المسبق على تجربة ما زالت تخطو على أول الطريق، فالحق والواجب يفرض إنجاح الحياة الحزبية الجديدة من خلال المشاركة فيها، وليس بالإعراض أو النأي بالنفس عنها.