السبت 27-04-2024
الوكيل الاخباري
 

الصغار لا ينسون..!



ما مِن عنف في العالم أفظع من عنف الاحتلال. وإذا كان الاحتلال من نوع الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، فإنه سيكون الأكثر إرهاباً وإجراماً ووحشية على الإطلاق.اضافة اعلان

ذلك أن شرطه هو إلغاء شعب آخر والحلول محله، ويفضل أن يكون ذلك بالإبادة الجماعية، ثم التهجير، وطمس الهوية ومحاولة إنهاء أي آثار أو علامات تشير إلى وجود الشعب المستهدف.
وفي أبرز مثال على هذا النوع، قام مشروع الولايات المتحدة الاستعماري-الاستيطاني على أنقاض سكان أميركا الإصليين بإبادتهم تقريباً وطمس كل ملامح هويتهم.
المشروع الصهيوني في فلسطين هو من هذا النوع الفظيع. وقد تأسس، ويأمل في الديمومة، على أساس إلغاء الشعب الفلسطيني وإخراجه من التاريخ جملة وتفصيلا.
وهو لا يخفي طبيعته وأهدافه حين يعلن أنه يريد دولة يهودية حصرية في الأرض بين البحر والنهر. وقد بدأ خطواته الأولى بالإبادة والمجازر والتهجير ومحو الذاكرة المكانية والتاريخية.
وكان تهديم القرى العربية وإرهاب أصحابها بقصد التهجير، ثم استمر التهويد والمصادرة والترحيل وهدم المنازل، والقتل كلما تسنى ذلك.
وتهدف كل الإجراءات الصهيونية إلى كسر نفسية الفلسطينيين وتيئيسهم من جدوى المقاومة. وفي هكذا صراع، لا يمكن اعتبار أي أعمال يقوم بها الفلسطينيون لمقاومة هذا المشروع عنفاً غير مبرر.

إنهم محكومون بصراع وجودي موضوعه البقاء. والمشروع الاستعماري الاستيطاني قوامه المستوطنون، كل المستوطنين المتواجدين على الأرض المستهدفة.
استقر عليها مؤسسو المشروع الصهيوني في فلسطين بداية على عدم التعايش مع أصحاب الأرض الفلسطينيين، وانما انتزاع أرضهم وأخذ ممتلكاتهم وتغيير اسم وطنهم.
وراهن المستوطنون الأوائل على إمكانية حسم الصراع بالإبادة والتهجير وطمس الهوية الفلسطينية. ولخص بن غوريون، أبرز مؤسسي المشروع الفكرة بقولته الشهيرة: «الكبار يموتون والصغار يَنسون».
وعنت خسارة رهان الذاكرة حتمية عيش المستعمرين مع افتقاد الشعور الأساسي بالأمن. ومع أن الصورة توحي للوهلة الأولى بمستعمرين مستقرين وفلسطينيين قلِقين، فإن العمق مختلف: الفلسطينيون مستقرون لأنهم جزء من ديمومة تاريخية وهوية حية؛ والمستعمرون قلقون لأنهم طارئون، ولأنهم فشلوا في تحقيق «النسيان» الذي راهنوا عليه.
عمليات المقاومة الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة جزء فقط من تجليات الذاكرة الفلسطينية المستمرة غير المنقطعة. وكان منفذوها من جيل لم يشهد «النكسة»، ناهيك عن «النكبة. وقد نفذوا عملياتهم في وقت ذهبت فيه أخبار القضية الفلسطينية إلى الصفحات الداخلية.
وبدت كل الأوراق في يد العدو، وخاصة تطبيعه في المنطقة. وأرادت العمليات تذكير العدو بأن أي إجراءات، أو أدوات، أو مستوى من القوة أو التطبيع، لا يمكن أن توفر الأمن لأفراده، وأنهم لن ينعموا أبدا بالاستقرار في أرض الفلسطينيين.
وهي رسالة يعرفها المستعمرون الذين لا يكفون عن محاولة تأمين أنفسهم خلف الجدران والدروع وكاميرات المراقبة والحياة العسكرية الكاملة.
ويوصف الكيان الصهيوني، عن حق، بالثكنة، لأن كل فرد فيه إما في الجيش أو الأمن أو الاحتياط، ومعظمهم مسلحون.
يكتشف الشعب الفلسطيني مرة أخرى أنه وحده في صراعه العادل من أجل الحرية. وهو يتمتع بتضامن محبي العدالة والإنسانية في العالم، لكنّ الاشتباك اليومي قدره الخاص.
يعرف ذلك كل فلسطيني يولد في العالم بمجرد أن يتعلم النطق ويستطيع الإجابة عن سؤال: من أين أنت؟ بأنه من فلسطين.
وسوف يشتبك مباشرة، بطريقته الخاصة مع سؤال الهوية ومقاومة الإلغاء على الأقل. وهو انشغال قاهر ومتعب أينما كان الفلسطيني، ولا يمكن أن يتحلل منه أو أن يطبّع معه نفسه في العالم على أساس أنه مثل باقي الناس.
ولا علاقة للمسألة بالاستقرار الاقتصادي والمادي أو عدمه، أو مهما يكن الإنجاز الفردي. إنها قضية معقدة خلاصتها أن الفلسطيني يريد أن يكون له وطن حر يقيم فيه أو يعود إليه، وجواز سفر وطني ونشيد وطني. وبخلاف ذلك لن يكون مواطنا عاديا في العالم أبداً.
هذا يخيف المستعمرين في فلسطين، وليس بلا سبب. إن كل أساليبهم تخفق في حسم الصراع. وكذلك تخفق القوى العظمى التي تساندهم، وآخر ذلك فشل «صفقة القرن» التي لم تستطع العصا ولا الجزرة أو أي ضغوط تمريرها.
وسر الإخفاق الأساسي لخصه والد الشهيد رعد حازم: «نشيب ونضعف ونسلم الراية لمن بعدنا، والآن الراية بين أيديكم، فلا تسقطوها». ولن تسقط.