الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

المجالس السرية للحكومات



من اللافت حقاً أن كل طرف في الأردن، يحمل الطرف الآخر المسؤولية، فالشعب يتهم حكوماته، والحكومات تتهم الشعب، في مجالسها السرية، وبينهما الأردن تغير جداً.اضافة اعلان

أنت لم تعد أمام الأردن القديم، فقد تم مس البنية الاخلاقية والاجتماعية، عبر سلسلة تغيرات من عدة بوابات، من بينها التراجعات الاقتصادية، وشيوع ثقافات جديدة أعادت إنتاج هوية البلد، وما كان حراماً بالمعنى الديني والاخلاقي والقانوني، لم يعد حراما، من الرشوة، الى ايذاء الجار، وصولا الى الغش، والتزوير، وضيق الخلق، والعنف، وغير ذلك من ممارسات نراها يوميا، في الأردن، حيث كل فرد يحمل بندقيته ليقنص الآخر، على اي خطأ.

إذا سألت الناس، لماذا تغيرتم هكذا، اتهموا الحكومات أولا، بكونها غيرت بنية البلد، وأغرقت البلد بسبب سياساتها، بالديون على مستوى الافراد، وانعدام الفرص والافق، بحيث ان ضنك الحياة بات سائدا، في ظل الفقر والبطالة، وغير ذلك، فاضطر كثيرون وفقا لهذه الرواية، ان يحللوا كل حرام، فالرشوة المدفوعة لمفتش ما، تحل مشكلة صاحب المحل، والموظف معا، والتعبير عن الغضب على أتفه الاسباب، تعبير عن ضيق الحياة ومصاعبها، وبرأي هؤلاء فإن المواطن ضحية، لا يجوز لومها، ولا تحميلها فوق أحمالها الاصلية.
حسنا، الكل يقول لك ان الحكومة هي السبب، لكن المجالس السرية للحكومات، وبطاناتها يفكرون بطريقة مختلفة، ويقولون سراً إن هذا الشعب متطلب، ومتذمر، وشكاء، وإنه لا يؤمن بدفع الضرائب، مثل كل شعوب العالم، وإنه شعب يخلط بين العادات القديمة، التي يتزين بها، شكلا، لكن يمارس المخالفات، سرا، وإن هذا الشعب لا يريد ان يعمل إلا من وراء المكاتب، وإن ضيق العيش، لا يبيح لأحد منهم ان يسرق، او ان ينفس عن غضبه بمشادة، او جريمة، وإن هذا الشعب يؤمن بالواسطة، فهو يريدها قبل غيره، وإن كل شخص في البلد يتشاوف على الآخر باسمه، او عائلته، او نسبه، او قريبه المتنفذ، وان الشعب ايضا لا يدير موارده بطريقة صحيحة، فهو يهدر الماء والكهرباء، بل هناك عشرات آلاف حالات سرقة الماء والكهرباء، حتى بين من فواتيرهم قليلة اساسا، وتتوالى الاتهامات من هذه الجهة ايضا، ولا تصدقوا ان هذه المجالس تشعر بشفقة على كل الآم الناس، بل يرونها تكاذباً.

كل هذه التغيرات حدثت فعليا بسبب عدة عناصر، اولها قلة المال، وغياب التنمية الاقتصادية، والعدالة، وفرص الحياة من اي عمل سواء في القطاع الخاص، او العام، وثانيها فتح البلد على مصراعيها لتغيرات مقبلة عبر شبكة الانترنت، والستالايت، وغير ذلك وهي تغيرات قلبت البلد رأسا على عقب، وانهارت هويته الاجتماعية، وتأثرت كثيرا، تحت وطأة هذه الغزوات التي لا يمكن السيطرة على آثارها، وثالثها إخراج الدين كمنظومة اخلاقية من حياة الناس، لصالح الفراغ، او احلال كل ما هو مشوه، مكان القيمة الاخلاقية، في عملية غسل للهوية الجمعية، واعادة انتاج لها، ورابعها، شيوع التفاوت الطبقي، بما يؤدي الى الحرمان والحقد والغضب، ويؤدي الى شيوع الامراض النفسية، وتحويل المجتمع الى كتلة غاضبة.

علينا ان نعترف هنا ان الكل مسؤول، وبكل صراحة تشعر ان هناك قوة خفية تقود المجتمع الى هذا الوضع، وتريد اتعابه، وارهاقه، وتغيير هويته، وجعله هشا، ضعيفا، وذلك عبر كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التي تصب لصالح هدف كبير، اي ارهاق الأردن، وتكسير بنيته الداخلية، وتحويله الى مجرد مجاميع بشرية فقيرة، مديونة، تفعل اي شيء من اجل لقمتها، او مصلحتها، وصولا الى هدف متأخر، اي التخلي عن كل قضية، وهدف أسمى، تحت وطأة المشاكل والازمات التي تجعل الانسان غير قادر على رفع رأسه من كل هذه الهموم، فوق اشاعة الكراهية والشكوك والصورة الانطباعية الخاطئة بين الناس.

من يتحمل المسؤولية، هنا، هل هو المواطن باعتباره الضحية، ام ان الضحية اصبحت شريكة ايضا في الجريمة، وتبرر ذلك لنفسها، أم ان المسؤول الحكومات، ومن يديرها، عبر فرض سياسات مالية واجتماعية عليها، تحولها الى سياسات محلية، ام انها مضطرة ايضا تحت وطأة عوامل كثيرة، وبهذا المعنى، نصير كلنا مختطفين لواقع جديد يتحكم بنا.
السؤال الاكثر إثارة في هذه البلاد، إلى أين نذهب بهذه الطريقة، عاما بعد عام؟.