الثلاثاء 23-04-2024
الوكيل الاخباري
 

المشكلة في التشخيص



ما كان بإمكان رئيس وأعضاء لجنة تحديث القطاع العام “خريطة طريق” إلا أن يتبعوا منهجية أو أكثر يتم استخدامها عادة لصياغة استراتيجية من هذا النوع، وقد اطلعت عليها كاملة، وقرأت كذلك الكثير من المقالات التي تعرضت لها ناقدة ومنتقدة، وفي بعضها من الوجاهة ما يستحق الاهتمام، لكني أعدت الاطلاع عليها بعين ايجابية، وليس في خاطري التعرض لها من حيث الشكل والمضمون، ذلك أنني لم أعمل يوما في القطاع الحكومي، وإن كنت أتعامل معه كل يوم.اضافة اعلان


تلك خريطة طريق إذن لخطة سيتم العمل عليها حتى عام 2025، وعلى مدى ثلاثة أعوام هناك تشريعات ستسن، وقوانين ستقر، وأنظمة وتعليمات ستتغير كي تبلغ الخطة غايتها “قطاع عام ممكن وفعال يعمل كوحدة واحدة لتنمية الأردن وتحقيق رفاه المواطنين”، وبالطبع يفترض أن تنعكس مخرجات الخطة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والاستثماري، على مبدأ “المواطن محور الاهتمام” مثلما تنص الخطة.

وضعت اللجنة التي عقدت مائة اجتماع وورشة عمل مع مختلف الجهات، وراجعت حوالي مائتي وثيقة، وحللت أكثر من أربعين معيارا ومؤشرا للأداء الحكومي، واستعانت بالخبراء، وسبرت آراء موظفين، وضعت منهجية لها، وإطارا لعملها، وحددت المبررات والتحديات، وكل ما يجب أن تنص عليه الخطة من الناحية المنهجية، ومرة أخرى ليس بإمكانها أن تفعل غير ما فعلت.

لكن تشخيص الوضع القائم هو المشكلة الأكثر خطورة إذا لم تتم بشكل موضوعي إلى درجة أن السؤال يكبر في التشخيص حد السؤال عن أثر الواقع الإداري الراهن على متانة الدولة وأمنها واستقرارها، وليس فقط على واقعها الاقتصادي والاجتماعي، خوفا من أن تكون مخترقة من الناحية الفرضية أو ضعيفة في سياق تم القبول به لفترة زمنية طويلة، يظهر الدولة – أي دولة – وكأنها تعاني مرضا في بنيتها العامة.

أكاد أجزم أن “المعاملات” هي التي تعكس قوة وسلامة المؤسسات العامة والخاصة، والأردن من هذه الناحية مرتب ومنظم إلى أقصى درجة، ولا تنطبق عليه فكرة الترهل الإداري بالمطلق، لأنها ليست ظاهرة عامة في جميع المؤسسات، حين نرى ونعقل أن كثيرا منها تعمل بانضباطية عالية، فضلا عن الانضباطية في أرقى مراحلها عندما يتعلق الأمر بمؤسساتنا العسكرية والأمنية.

أحيانا تكون المبالغة في التشخيص أكثر ضررا على الوضع الذي نسعى لمعالجته، وقد يدلنا التشخيص البسيط – أي غير المعقد- على ما هو أسوأ مما يدلنا عليه التشخيص المعقد، وقد تكمن المشكلة في المنهجية نفسها عندما تقودنا إلى شكل منظم ومضمون مرتب لخطة أو استراتيجية معينة لتكون هدفا في حد ذاتها.

المطلوب هو تيسير المعاملات كهدف أسمى لأي خطة غايتها معالجة الوضع القائم، بحيث تعكس، ذكاء التشريعات والقوانين، وكفاءة القائمين على الإدارة والأنظمة والتعليمات، وتؤشر على حيوية المؤسسات، وقدرتها على خدمة التنمية الشاملة، والأهم من ذلك كله تظهر احترامها للمواطن- دافع الضريبة – الذي يساهم بمعظم ميزانية الدولة، ومنها تصرف رواتب الحكومة من رئيسها إلى أصغر موظف فيها.