السبت 20-04-2024
الوكيل الاخباري
 

تريدون أحزابا وطنية.. ارفعوا الوصايات!



أيهما تفضل: الحزب أم العشيرة..؟ الإجابة على هذا السؤال يفترض ان تكون محسومة باتجاه الفصل بين الحزب كإطار سياسي ‏والعشيرة كرابطة اجتماعية، وبالتالي لا مجال للمفاضلة هنا، ولا تعارض في الجمع بينهما، لكن ما كشفته الحوارات والوقائع، سواء داخل لجنة ” تحديث المنظومة السياسية ” أو خارجها، ثم ما جرى في مواسم الانتخابات البرلمانية المتعاقبة، حيث انتصر منطق العشيرة على ما سواه، أعادنا لطرح هذه المفاضلة لفهمها ومواجهتها بما يلزم من معالجات.اضافة اعلان

‏حين ندقق فيما حدث من خلط انتهى إلى استدعاء العشيرة سياسيا، نجد أربعة أسباب على الأقل، الأول: تراجع دور الدولة وقدرتها على إقناع الناس وتعزيز ثقتهم بها، ما دفعهم إلى البحث عن ” العشيرة ” كملاذ آمن، الثاني: استخدام العشيرة أو الاحتماء بها خاصة عند الحاجة وفي الأزمات ومقايضتها أو وضعها نداً للدولة، ‏الثالث: غياب مفهوم واضح للمواطنة والهوية الوطنية، وتصاعد هواجس الناس حول مستقبلهم، وليس غريبا أن الأردنيين – دون غيرهم- يتوجسون من السؤال عن مستقبل بلدهم، أما السبب الرابع فهو تعطل حركة السياسة في مجالها العام، وتراجع أداء مؤسساتها الامر الذي أغرى العشيرة لملء هذا الفراغ السياسي.

‏من المفارقات – أيضا- أن معظم التنظيمات المدنية كالأحزاب والجماعات، وربما الشركات، تحولت إلى “مجتمعات عشائرية”. وللتذكير فقط فإن جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر اكبر تنظيم سياسي تتحرك في الغالب بمنطق “العشيرة السياسية”، وسواء في الانتخابات أو عند مواجهة الأزمات، فإنها تستدعي رصيدها الاجتماعي بغطاء ديني مما جعلها من اكبر “العشائر” الأردنية.

‏لا يمكن ان نتجاوز هذه العقبات، إذا كنا جادين في إحداث عملية التحول الديمقراطي التي تستند إلى “الحزبية” السياسية، إلا بتصحيح اعوجاج المسارين: السياسي والاجتماعي معا، بحيث نترك للعشيرة أن تقوم بواجبها الاجتماعي، ونفتح الطريق أمام الأحزاب لمباشرة دورها السياسي، وهذا يحتاج إلى مقررات تفرزها ارادة سياسية حازمة، وأهمها رفع ” الوصايات” عن العمل السياسي، لا أقصد هنا ” الوصايات” الامنية فقط، وإنما الاجتماعية والدينية، وكذلك الوصايات التي تفرضها الجغرافيا والديموغرافيا، والأخرى المتعلقة “بالبزنس” السياسي. ‏محاصرة هذه الوصايات من خلال نصوص قانونية رادعة وتطبيقات أمينة، مسألة ضرورية لتحرير الحياة الحزبية من هواجسها، ومن عدم ثقة الناس بها وانقطاعها بالتالي عن المجتمع وقضاياه، وعن الدولة أيضا.

مثلما انه لا يجوز ‏أن تظل الأحزاب رهينة لأي امتدادات خارجية أو نزعات أيديولوجية ضيقة، أو أن تتحول إلى عشائر او ند للدولة، أو أن تسيطر عليها “الزعاماتية” بدل البرامجية، فإنه لا يجوز أيضا أن تخصص 25 % فقط – كما رشح من مقترحات اللجنة- من مقاعد البرلمان للأحزاب، لأن ذلك لن يشكل نقلة نوعية للحياة السياسية، لا أقصد هنا وضع “كوتا” للأحزاب قد تصب في رصيد الأحزاب القائمة الأكثر نفوذا، وإنما ضرورة فتح القائمة الحزبية في المرحلة الأولى لاستقطاب شخصيات وطنية يتم تزكيتها من قبل الحزب، أي حزب، يشارك في الانتخابات، في موازاة رفع المقاعد المخصصة للأحزاب الى نصف عدد المقاعد في البرلمان.. وبهذا يكون بمقدورنا ان نتوقع برلمانات حزبية كاملة في دورتين برلمانيتين ( 8 سنوات)، وحكومات برلمانية كاملة في عشر سنوات، ربما يحدث ذلك، إن صدقت النوايا وصحّت العزائم.