الجمعة 26-04-2024
الوكيل الاخباري
 

ثقافة حب الحياة



لا أرى أن حالات التهديد الابتزازي بالانتحار في أماكن عامة لدينا قد وصلت إلى مستوى الظاهرة المقلقة التي تتطلّب من المشرع التدخّل لسن قانون يجرّمها بالحبس والغرامة. الأمر لم يتعدّ حالات محدودة يمكن معالجة كل واحدة منها حسب معطياتها وظروفها.اضافة اعلان

أتفهم جيداً أن المشرع انطلق من منفعة حماية المجتمع ممن يحاولون الظهور الإعلامي أو الاستعراض والابتزاز على حساب التهديد بالانتحار العلني في أماكن عامة، مع عدم وجود النية الحقيقية لديهم في ذلك، بغية تحقيق مآرب ومنافع شخصية لهم. أتفهم هذا جيدا وأؤمن بالعقوبة وقدرتها على الردع، لكني أرى أن من المبكر إقرار هذا التشريع قبل أن نرى جدوى معالجة هؤلاء بالطرق النفسية والاجتماعية المناسبة كونهم مرضى بشيء ما.
من جانب آخر فالكل يعرف أن من يريد الانتحار جازماً فلن يصده أحد، وأنه لن يفكر حتى في ابتزاز الناس أو بالاستعراض. بل إنه في العادة يغافلنا سواء في مكان خاص أو عام، ولهذا نتفاجأ به ونندهش كيف كان يخبئ ذلك الإصرار على إنهاء حياته، مع ما يبدو عليه من حياة طبيعية، لا تنبئ بقاتل جسور يكمن فيها.
الفيصل في الأمر أن لا أحد يقدر على منع من قرر إنهاء حياته سواء في مكان عام أو خاص، ومن يفشل من هؤلاء أعتقد أن التجريم لا يخصه كونه لم يهدف إلى الهوبرة الإعلامية والاستعراض من فعلته، إنما علينا أيضا أن نقف معه لنحيط بالسبب الذي جعله يقدم على خطوة تؤلم المجتمع أكثر مما يتصور.
حتى هذه اللحظة لم يقدم أحد لنا نظرية يقينية عن النقطة التي يصلها المنتحر لحظة انتحاره، إنما لدينا بعض فرضيات متنوعة حول الموضوع. مع التأكيد على أن الفقر والضنك والبطالة من وجهة نظري مرفوضة وغير حقيقية في أغلب الحالات؛ لأننا نرى منتحرين من كل الطبقات والمستويات والثقافات.
قبل أزيد من سنة تم تخصيص خطبة الجمعة عن موضوع الانتحار، لحثنا على الصبر والتفكر الملي في أن المآسي عابرة وليست خالدة، ولا خلود إلا لمنتحر في قعر جهنم. مع أننا وبموازاة محنة الصبر علينا أن نشرع في الإعلاء من شأن الحياة وتعميق فهمنا لمعانيها. نحتاج للترويج أن السعادة في الطريق لا في الوصول والقمم، وأننا سنواجه مصاعب نتمتع بدحرها. والأهم أن نشيع ثقافة أن جماليات الحياة ليست دوماً في الأشياء الكبيرة، ولا في تحقيق عظائم الأحلام. إنما قد تكون في وردة شقت إسفلت الشارع، أو في شجرة فتتت جلموداً أو في قراء الشفق بعد الغروب أو تلمس ندى العشب وجه الصبح.
نحتاج قبل محثة الصبر أن نبني ثقافة حب الحياة كي نقدّر قيمتها فلا نهدرها.