لا يقف حاجزٌ أو عائق أو مانع، أمامَ عزم الإنسان، وطموحه وتصميمه وكفاحه، مهما كان صغيرا أو فقيرا او وحيدا أو مريضا أو ذا عاهة.اضافة اعلان
الإنسان الإيجابي، ذو العزم، المؤمن بالله ينهض دائما. يتعثر فيواصل النهوض، ما دام النفَسُ يتردد في صدره.
و ما ينطبق على الإنسان، ينطبق على الشعوب والدول تمام الانطباق.
كانت الوالدة تهزني وتوقظني كل يوم، في أول شقشقة الفجر، وغبشُ الليل ما يزال كثيفا، من اجل الذهاب إلى العمل في الكسّارة.
يا إلهي!
أو تدرون ما الكسارة، التي سأترك فراشي وأحلام الفجر اللذيذة وخدره، من أجل لهبها وحرّها وغبارها ؟!
كنت أتمنى لو أنني أموت في تلك اللحظات القاتلة من العطل الصيفية في مطلع الستينات.
كنت أقول لأمي لو أنني أموت وأخلص من هذه الحياة !! لكنني آخذ في التنبه والاستيقاظ والعودة إلى الواقع الصلب شيئا فشيئا، كما يعود الإنسان من البنج.
وحين كنت استرق النظر إلى والدتي، التي لو تمكنت لأغرقتني في العسل والكسل، كنت المح دموعها على رموش عينيها، فأتشجع وأنهض قاطعا مع الكسل والتردد.
كان المجمع السكني ألـ «I.P.C» في بلدة الاجفور- الرويشد، حيث ولدت، على حافة الحدود الأردنية العراقية، الذي يديره الإنكليز، قطعة من بريطانيا.
بيوت مصممة على الطراز البريطاني وشوارع فسيحة تخترق الكامب، مضاءة بالفوانيس، معبدة ومزروعة بالكثير من شجر النخيل.
كان في الكامب فرع للسوبر ماركت الشهير «السبنيز» وسينما مجانية. ومستوصف مزود بكل ما يحتاجه من أطباء وممرضات وأسرّة وعلاجات وسيارات اسعاف.
وكانت في الكامب مدرسة نموذجية تدرسنا فيها مجموعة كبيرة من المعلمات، اذكر منهن مس مريم، المديرة السمراء ذات الكشرة، التي كانت تضع أحمر شفاه غامقا، ولا تكف عن إصدار الأوامر والنواهي والزواجر وإمساكنا من آذاننا وسحبنا الى غرفة الإدارة للحساب والعقاب الناعمين.
ومنهن مس إديل عويس من عجلون، الآنسة بالغة اللطف التي كنا نلوذ بها ونستنجد بلطفها، ليكون عقاب مديرتنا خفيفا او ليكون تنبيها: ما تعيدوها مرة ثانية.
ومس نجلاء الأربعينية كثيرة التأمل والسَّرَحان، ذات القوام المربوع والأسنان البارزة.
كان يجلس الى جواري في تلك المدرسة الناعمة المرفهة في الإجفور، ألحسِني محمد مقبل مسلم العموش، اللطيف الأنيس الودود، الذي ما أزال على صلة معه إلى اليوم. وأخي في الرضاعة، العقباوي عيد غنام الفيومي ابن الحويطية سالمة مسلّم العواسا النجادا، التي شاركتُ طفلَها عيداً حليبه، عندما أصابت حمّى النِّفاسُ والدتي. فوهبني الله أُمّا رؤوما وأخا غاليا، ما أزال ارتبط بأزهى الروابط مع أسرته ومع نجله النشمي الكريم فارس، الذي أزوره كلما زرت العقبة.
وكان معنا في الصف، أربع صبايا، كانت إحداهن واسمها فاطمة، السميراء الجذابة، تميل إلى محمد وتجهد كي تظل قريبة منه في الصف وفي ساحة المدرسة. وكانت سميرة المربوعة البضّة البيضاء، تجلس الى جانبي وتتقرب مني في الفرصة التي بين الحصص، تعطيني قضمة من ساندويشتها التي تتكون من البيض المسلوق او من المربى والزبدة او من الزيت والزيتون، فأعطيها في المقابل علكة السهم او حبة حلوى او قطعة شوكولاتة. وكنت لا أبخل عليها بجواب على سؤال حساب عندما أراها تتلبك محاولة حله. وكانت فتاة أخي عيد هي الأكثر شقاوة وحركة وصخبا.
كان يوجد في المجمع السكني الفسيح المنظم، ذي الشوارع المضاءة والجزر الوسطية، ملاعب كرة قدم وقاعة مغطاة تضم ملاعب سكواش وكرة يد وكرة سلة وبركة سباحة مغطاة وأخرى مكشوفة ومكتبة أطفال ومكتبة كبار و»ميز» ومقهى.
وكانت الحياة الاجتماعية راقية تتخللها الحفلات والمباريات والموسيقى والمسابقات وموائد الأطعمة المشتركة والباربكيو أيام العطل.
كانت سيارات «الجيب اللاندروفر» الخاصة بالشركة، تمر على منازلنا كل يوم، توزع قوالب الثلج مجانا على الأهالي، إذ لم تكن الثلاجات موجودة بعد.
كان السائقون يضعون قوالب الثلج في الزير والجِرار الموجودة تحت مظلة الباب.
وكانت تلك السيارات توزع أيضا، الخضار والفواكه والبيض والأرانب المسلوخة. وكانت توزع أحيانا قطعا من لحوم الغزلان والإبل والبقر.
من هذه البقعة الفردوسية، ومن هذا النعيم الخرافي، الذي لم ينعم بمثله طفل غيري في العالم، امتدت يد عملاقة هوجاء واقتلعتني. طوحتني بعيدا خارج ذاك النعيم والفردوس الأرضي النادر.
كنت حزينا وعاتبا وذاهلا لسنوات، إلى أن عرفت أن في الدنيا نعيما وجحيما.
قلت لنفسي: مادام النعيم لا يدوم، فلماذا سيدوم الجحيم ؟!
ولذلك كان عليّ أن احمل فأسا وأبدأ في شق طريقي، فثمة طريق.
الإنسان الإيجابي، ذو العزم، المؤمن بالله ينهض دائما. يتعثر فيواصل النهوض، ما دام النفَسُ يتردد في صدره.
و ما ينطبق على الإنسان، ينطبق على الشعوب والدول تمام الانطباق.
كانت الوالدة تهزني وتوقظني كل يوم، في أول شقشقة الفجر، وغبشُ الليل ما يزال كثيفا، من اجل الذهاب إلى العمل في الكسّارة.
يا إلهي!
أو تدرون ما الكسارة، التي سأترك فراشي وأحلام الفجر اللذيذة وخدره، من أجل لهبها وحرّها وغبارها ؟!
كنت أتمنى لو أنني أموت في تلك اللحظات القاتلة من العطل الصيفية في مطلع الستينات.
كنت أقول لأمي لو أنني أموت وأخلص من هذه الحياة !! لكنني آخذ في التنبه والاستيقاظ والعودة إلى الواقع الصلب شيئا فشيئا، كما يعود الإنسان من البنج.
وحين كنت استرق النظر إلى والدتي، التي لو تمكنت لأغرقتني في العسل والكسل، كنت المح دموعها على رموش عينيها، فأتشجع وأنهض قاطعا مع الكسل والتردد.
كان المجمع السكني ألـ «I.P.C» في بلدة الاجفور- الرويشد، حيث ولدت، على حافة الحدود الأردنية العراقية، الذي يديره الإنكليز، قطعة من بريطانيا.
بيوت مصممة على الطراز البريطاني وشوارع فسيحة تخترق الكامب، مضاءة بالفوانيس، معبدة ومزروعة بالكثير من شجر النخيل.
كان في الكامب فرع للسوبر ماركت الشهير «السبنيز» وسينما مجانية. ومستوصف مزود بكل ما يحتاجه من أطباء وممرضات وأسرّة وعلاجات وسيارات اسعاف.
وكانت في الكامب مدرسة نموذجية تدرسنا فيها مجموعة كبيرة من المعلمات، اذكر منهن مس مريم، المديرة السمراء ذات الكشرة، التي كانت تضع أحمر شفاه غامقا، ولا تكف عن إصدار الأوامر والنواهي والزواجر وإمساكنا من آذاننا وسحبنا الى غرفة الإدارة للحساب والعقاب الناعمين.
ومنهن مس إديل عويس من عجلون، الآنسة بالغة اللطف التي كنا نلوذ بها ونستنجد بلطفها، ليكون عقاب مديرتنا خفيفا او ليكون تنبيها: ما تعيدوها مرة ثانية.
ومس نجلاء الأربعينية كثيرة التأمل والسَّرَحان، ذات القوام المربوع والأسنان البارزة.
كان يجلس الى جواري في تلك المدرسة الناعمة المرفهة في الإجفور، ألحسِني محمد مقبل مسلم العموش، اللطيف الأنيس الودود، الذي ما أزال على صلة معه إلى اليوم. وأخي في الرضاعة، العقباوي عيد غنام الفيومي ابن الحويطية سالمة مسلّم العواسا النجادا، التي شاركتُ طفلَها عيداً حليبه، عندما أصابت حمّى النِّفاسُ والدتي. فوهبني الله أُمّا رؤوما وأخا غاليا، ما أزال ارتبط بأزهى الروابط مع أسرته ومع نجله النشمي الكريم فارس، الذي أزوره كلما زرت العقبة.
وكان معنا في الصف، أربع صبايا، كانت إحداهن واسمها فاطمة، السميراء الجذابة، تميل إلى محمد وتجهد كي تظل قريبة منه في الصف وفي ساحة المدرسة. وكانت سميرة المربوعة البضّة البيضاء، تجلس الى جانبي وتتقرب مني في الفرصة التي بين الحصص، تعطيني قضمة من ساندويشتها التي تتكون من البيض المسلوق او من المربى والزبدة او من الزيت والزيتون، فأعطيها في المقابل علكة السهم او حبة حلوى او قطعة شوكولاتة. وكنت لا أبخل عليها بجواب على سؤال حساب عندما أراها تتلبك محاولة حله. وكانت فتاة أخي عيد هي الأكثر شقاوة وحركة وصخبا.
كان يوجد في المجمع السكني الفسيح المنظم، ذي الشوارع المضاءة والجزر الوسطية، ملاعب كرة قدم وقاعة مغطاة تضم ملاعب سكواش وكرة يد وكرة سلة وبركة سباحة مغطاة وأخرى مكشوفة ومكتبة أطفال ومكتبة كبار و»ميز» ومقهى.
وكانت الحياة الاجتماعية راقية تتخللها الحفلات والمباريات والموسيقى والمسابقات وموائد الأطعمة المشتركة والباربكيو أيام العطل.
كانت سيارات «الجيب اللاندروفر» الخاصة بالشركة، تمر على منازلنا كل يوم، توزع قوالب الثلج مجانا على الأهالي، إذ لم تكن الثلاجات موجودة بعد.
كان السائقون يضعون قوالب الثلج في الزير والجِرار الموجودة تحت مظلة الباب.
وكانت تلك السيارات توزع أيضا، الخضار والفواكه والبيض والأرانب المسلوخة. وكانت توزع أحيانا قطعا من لحوم الغزلان والإبل والبقر.
من هذه البقعة الفردوسية، ومن هذا النعيم الخرافي، الذي لم ينعم بمثله طفل غيري في العالم، امتدت يد عملاقة هوجاء واقتلعتني. طوحتني بعيدا خارج ذاك النعيم والفردوس الأرضي النادر.
كنت حزينا وعاتبا وذاهلا لسنوات، إلى أن عرفت أن في الدنيا نعيما وجحيما.
قلت لنفسي: مادام النعيم لا يدوم، فلماذا سيدوم الجحيم ؟!
ولذلك كان عليّ أن احمل فأسا وأبدأ في شق طريقي، فثمة طريق.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي