كل عام وأنتم وهذا البلد الطيب بخير وأمن وسلام ، والتهنئة النابعة من القلب فيها من الدعاء والرجاء إلى الله العلي القدير ما هو أعمق بكثير من التبريك بحلول الشهر الفضيل ، فنحن بأمس الحاجة إلى طلب الرعاية واللطف والستر من الله العلي القدير ، الذي قال في محكم التنزيل " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " .
يأتي الشهر الفضيل وبلدنا يمر في ظروف حساسة جدا ، وأوضاع
اقتصادية صعبة ، ولا شك أنه يتعرض لضغوط أشار إليها جلالة الملك عبدالله الثاني بن
الحسين بوضوح مؤخرا ، ومعظمها يتعلق بأزمات المنطقة ، وخطة الرئيس ترامب في الشرق
الاوسط ، وصفقة القرن ومصير القدس ومقدساتها ، وجميعها تحديات تمس الأردن أكثر من
غيره في النطاق العربي .
وفي رسالته التي كلف بموجبها اللواء أحمد حسني بتولي
مهام المدير العام للمخابرات العامة وصف جلالة الملك المرحلة بأنها دقيقة ، تواجه
فيها منطقتنا بأسرها تحديات جمة وغير مسبوقة ، ويواجه بلدنا الحبيب تحديات فرضتها
عليه المتغيرات الإقليمية ، والمناخ العالمي العام " الفريد والمتوتر "
فهل من وصف أدق وأوضح من هذا الوصف لطبيعة ومستوى التحديات التي تواجهنا ، أمام
هذه الفوضى من التوقعات ، في غياب الحد الأدنى من امكانية الاعتماد على عمق قومي
أو دولي يمنحنا القوة الكافية للحفاظ على مصالح الأردن وثباته ؟
لكن جلالة الملك قد حدد في المقابل عناصر القوة التي
يمكننا الاستناد إليها لتجاوز تلك التحديات ، وفي الصدارة منها همة الشعب الأردني
وإحساسه العالي بالمسؤولية الوطنية الحقة ، وكفاءة مؤسساته ، وفي مقدمتها قواتنا
المسلحة – الجيش العربي ، ودائرة المخابرات العامة والأجهزة الأمنية الأخرى ، إلى
جانب تماسكنا وتكاتفنا وتعاضدنا جميعا ، ووعي شعبنا لكل التحديات والمصاعب .
ساحتنا الوطنية مزدحمة جدا بكلام كثير ، والممارسات التي
يمس بعضها بالمرتكزات التي ينص عليها الدستور خلقت أجواء من التوتر والقلق ،
وانساق البعض إلى التشكيك بالشرعية العامة ، والخلط بين انتقاد المؤسسات وبين
انتقاد بعض العاملين فيها على مختلف مستويات المسؤولية الإدارية ، وهناك من حاول
إظهار الدولة كما لو أنها عاجزة عن إدارة شؤونها العامة ، وليس بإمكانها مواجهة الضغوط
والتحديات !
هناك من يحذر من انتهاز شهر رمضان الكريم لرفع وتيرة
التصعيد والاحتجاج على سياسات الحكومة ، ولا أحد ينكر حق المواطن في التعبير عن
مطالبه المشروعة في الحياة الكريمة فذلك أحد مرتكزات الدستور ، ولكننا مطالبون
بالتمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود ، وبين ما يمكن أن نصبر عليه ، وبين ما
لا يصبر عليه الضاغطون علينا ، والطامعون في أمننا واستقرارنا ، والمستهدفون
عزيمتنا في التصدي لتحديات غير خافية عنا جميعا .
إذا كان شهر رمضان شهر التقى – وهو كذلك – فلنتق الله في بلدنا وفي أنفسنا ، وفي ذلك ما يرضي
الله عز وجل ، من عباد له ، قدر لهم أن يكونوا من أهل الأردن ، أهل الرباط والجهاد
إلى يوم الدين ، مرة أخرى ، رمضان كريم ، وكل عام وأنتم بخير .