الخميس 18-04-2024
الوكيل الاخباري
 

لن تمر بدون حساب



لن يكون مستغربا أن تكون جائحة كورونا سببا رئيسيا في اندلاع ثورات اجتماعية وموجات احتجاج في عديد من البلدان حول العالم، ولا أعني هنا الاحتجاجات بدوافع اقتصادية أو معيشية، فتلك التداعيات على أهميتها، تلقى تفهما واسعا ويمكن تداركها بحزم تحفيزية وبرامج مساعدات عالمية في غضون العامين المقبلين.اضافة اعلان


المقصود، بحركة شعوب تنتفض في وجه حكامها وحكوماتها التي قللت من شأن الخطر الذي يمثله فيروس كورونا على حياة مواطنيها، وامتنعت أو تأخرت عن اتخاذ الإجراءات المبكرة والصارمة لمنع تفشي الوباء وانتشاره على نطاق واسع.

كان ثمن هذا السلوك غير المسؤول باهظا جدا في دول ديمقراطية عريقة كإيطاليا وبريطانيا ومثيلاتها في أوروبا. وفي أماكن أخرى من العالم ثمة دول تلتحق بالتجارب الأوروبية المخيبة كالبرازيل التي عاند رئيسها حقائق العلم والطب، وحرّض الشعب على عدم الالتزام بقواعد التباعد الجسدي وإجراءات العزل، وكانت النتيجة ارتفاعا متسارعا في أعداد المصابين والوفيات، لدرجة لم تعد المستشفيات والمقابر قادرة على احتوائها. تركيا هي الأخرى ليست بعيدة عن هذا التصنيف.

وهناك صنف ثان من الدول المترددة التي تأخرت في اتخاذ الإجراءات المطلوبة في الوقت المناسب، أو تسرعت في فتح الاقتصاد من جديد، لتواجه موجة ثانية من انتشار الفيروس أشد شراسة من الأولى.

الإدارة الأميركية كانت في صميم الأزمة، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب يواجه انتقادات واسعة لتأخره في اتخاذ القرارات في الوقت الصحيح، واستهانة إدارته بالتحذيرات التي حملتها تقارير استخبارية مبكرة عن أخطار انتقال الفيروس من الصين بسرعة إلى دول العالم.

ترامب يعاني من هذه الاتهامات في فترة انتخابية حرجة، ويحاول التنصل من المسؤولية بإلقاء اللوم على الصين واتهامها بالتكتم على المعلومات، وعدم استجابة منظمة الصحة العالمية في الوقت المناسب. لكن من المرجح أن يكون لسلوكه المثير للجدل، تأثير على توجهات الناخبين الأميركيين، وإذا ما استثمر الحزب الديمقراطي هذا التقصير على نحو مثالي يمكنه أن يتغلب على ترامب في الانتخابات، ليكون واحدا من أبرز الضحايا السياسيين لفيروس كورونا.

لقد شعرت شعوب تلك البلدان بالخيبة والمرارة من حكامها لأنهم استهانوا بحياة المواطنين وكبار السن، ووقفوا عاجزين عن تقديم الرعاية الصحية اللازمة لهم لعدم قدرة المستشفيات على استيعاب الأعداد الهائلة من المصابين. وما تابعناه من مشاهد مؤلمة لمرضى يموتون بالشوارع في دول أوروبية وفي أميركا اللاتينية، وجثث ضاقت فيها ثلاجات الموتى، ستترك صدا قويا في الشارع بعد أن تهدأ الأمور، وتحرك قطاعات اجتماعية واسعة للانتقام من الطبقة السياسية الحاكمة، التي فشلت في حماية حياة الناس، وتسببت بخسائر بشرية فادحة وانهيار اقتصادي يضاف من الكارثة الإنسانية.

كل هذه المرارات والاحتقانات ستنفجر في وجه الحكومات المقصرة، وقد نشهد تغييرات جذرية تعصف في الخريطة السياسية للأحزاب والقوى المهيمنة على المشهد في المرحلة المقبلة، وبروز قيادات جديدة تمثل الفئات الشعبية الأكثر تضررا من الجائحة.

هنا في اعتقادي قد يكون التغيير الأكبر في ما نسميه عالم ما بعد كورونا، فما حصل من تقصير لن يمر دون حساب.