الجمعة 2024-12-13 03:52 م
 

الأمن المائي الأردني...

07:38 ص


قبل أیام دخل البلاد رسمیا فصل الربیع. وفي ھذا العام یبدو الربیع مختلفا فالأرض اكثر خضرة والطقس ما یزال باردا والأرض لم تكن یوما اجمل مما ھي علیھ فقد نالت نصیبھا من المطر وفاضت بعض السدود وتفجرت الینابیع وتوقف أصحاب المواشي عن شراء الاعلاف واصبح الناس اقل توترا مما كانوا علیھ قبل الربیع.

اضافة اعلان


امطار ھذا العام كانت الاوفر والاشمل والاكثر تتابعا وتأثیرا. من یتجول في الاریاف والبوادي یدھشھ جمال الطبیعة والوان الحقول التي تحولت الى لوحات تتداخل فیھا الوان الزھور وخضرة الغطاء النباتي في مشھد قلما یتكرر. الینابیع التي تفجرت أدھشت أھالي القرى والأریاف فلا شيء یسعد البدوي والمزارع ویبعث في نفسھ الامل اكثر من نزول المطر وتوفر المیاه.


بجانب ھذه الصور الجمیلة لا یملك احدنا إلا أن یتذكر مشكلاتنا المائیة والمخاطر التي تشكلھ على واقعنا ومستقبل المجتمع الأردني وأجیالھ . ففي محیطنا الجغرافي لا یوجد بلد یعاني من شح المیاه كما یعاني الأردن.

السنوات الاخیرة شھدت تزایدا في الطلب على استھلاكھا دون تطویر واضح لمصادرھا او استعدادات مطمئنة لتلبیة ھذا الطلب.


من المحزن ان ترى وتسمع عن عملیات إفراغ السدود في اكثر بلدان المنطقة حاجة للمیاه. الحجج التي تساق لتبریر ھذه الاجراءات تثیر الكثیر من الاسئلة حول مدى سلامة التخطیط وقدرة المؤسسات على التصدي للتحدیات التي تواجھنا على كافة المستویات. لأكثر من ثلاثة عقود والجمیع یتحدث عن قناة البحرین دون أن نلمس اجراءات على الأرض.


من وقت لآخر تطفو على السطح أرقام مخیفة للعجز المائي دون وجود خطط ومشاریع لسد ھذا العجز او التخفیض من معدلاتھ. التحكم في الإدارة والتوزیع للمیاه المتوفرة یشغل الحكومات والشركات أكثر مما یشغلھا الحصاد والتنمیة والتطویر للمصادر. الیوم ومع مرور أكثر من نصف قرن على تأسیس قناة الغور الشرقیة وقرابة العقد على جر میاه الدیسي أصبح شح المیاه مشكلة الأمن الإنساني الأولى .


حتى الیوم لا یوجد اجراءات حاسمة لزیادة المتوفر من المیاه،  ففي كافة ارجاء البلاد ما یزال شبح الانقطاع یطل برأسھ على الأردنیین في كل عام. ما أن یحل الصیف حتى تتعاظم المخاوف ویزداد القلق دون ان یظھر في الأفق ما یطمئن الناس على مستقبل البلاد المائي.


من یستمع لأشعار البدو وقصائد المزارعین یدرك اننا ما نزال في قبضة الطبیعة التي لا تدور عجلة الحیاة فیھا بدون المیاه, فالغنى والفقر والحیاة والموت والاستقرار والتشرد كان وما یزال مرتبطا بالمیاه ووفرتھا .


في أجزاء كثیرة من المشرق والمغرب العربي یوجد شح في المیاه واعتماد كبیر على المطر الذي بغیره یكون القحط والجفاف وربما موت للزرع والضرع. الزراعة والرعي كانت الانشطة الاقتصادیة الاھم لأھل الأردن عبر تاریخ المنطقة الممتد لآلاف السنین.


في عجلون والطفیلة وجرش غطاء من الاشجار المعمرة، وفي الربیع تتحول الكثیر من المساحات الجرداء الى حقول وفضاءات مبھجة. لذا ظل المطر احد اھم المتغیرات التي یتابعھا الناس وینتظرون بفارغ الصبر ھطول المطر وتحرك دورة الحیاة في دیارھم المقفرة. منذ ایام تداول الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي وثیقة كتبت بخط الید وتشتمل على كمیات ونسب ومعدلات الامطار التي ھطلت على منطقة الیادودة المجاورة لعمان عبر ما یزید على خمسین عاما.


الوثیقة تمثل السجل الرسمي للھطول المطري على المنطقة المجاورة لخربة ابوجابر حیث كانت بعض منازل المزارعین وحقولھم تنھض بمسؤولیة الرصد للامطار والتحولات المناخیة في البلاد.


السلطات العثمانیة كانت تستخدم السجلات المطریة ومنسوب البرك والسدود كمعاییر ارشادیة في تقدیر نسبة ضرائب المحاصیل التي تجمعھا من الولایات. ھذه المعاییر كانت مؤشرات الاستدلال على القحط والغلال وھي لا تختلف كثیرا عن المقاییس التي استخدمھا عمرو بن العاص لقیاس مستوى جریان النیل كمؤشر على نسبة الخراج الذي تحصل علیھ الدولة الاسلامیة من ولایاتھا .


الاھتمام بالمیاه وتطویر مصادرھا مدخل مھم لتطویر الانتاج ودفع التنمیة وتحقیق موارد اضافیة للخزینة التي ترزح تحت ضغوط الدیون والعجز ونقص الواردات.

 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة