يمكننا تخيل المعرفة الإنسانية على شكل بناء كبير وجميل يقوم على قواعد ثابته وأسس عميقة صلبة وقوية، ثم بناؤه منذ فجر التاريخ وقد اسهم العقل البشري كله في هذا البناء الكبير الممتد، مع الاقرار بوجود تباين وتفاوت واسع بين أمة وأمة وشعب وشعب وفرد وفرد، وبين مرحلة ومرحلة أخرى من حيث الجهد والإضافة والجمال والأثر والفائدة، وكل جهد منسوب لصاحبه غالباً دون تعارض او تناقض مع مبدأ التكامل بين الجهود المختلفة، وفي الوقت نفسه فإن هذا البناء يتعرض بشكل دائم للنمو والإضافة،وكذلك الحذف والتعديل والتحسين، بحيث يتم التخلص من بعض الأخطاء التي لاتقوى على مواجهة المنطق والبراهين والدلائل العقلية الواقعية.
من السمات البارزة لهذا البنيان أنه تراكمي، بمعنى أن كل ما يتم اضافته يكون معتمداً على ما توافق العقل العالمي على صحته، وكل ما أضافه المحدثون لا يخلو من صلة واضحة مع الحقائق القديمة والاكتشافات التاريخية عبر المراحل الزمنية المتتابعة، ولا يتصور البناء المعرفي الاّ من خلال هذا التراكم المتدرج الذي يلحظ بالبصيرة الثاقبة الخاضعة لمبدأ الاعتراف بالحق ونسبته لصاحبه .
العلم بوصفه مجموعة الحقائق المعرفية المتسقة في مجال معين أو عدة مجالات يتسم بالحيادية، بمعنى لايحتاج إلى وصف أيدولوجي أو عرقي أو قومي أو مكاني، وهذا لا يعني معرفة صاحب السبق في المعرفة والاكتشاف، ولذلك فإن اسهامات البشرية في اكتشاف الحقائق ينبغي أن يكون محل أعتراف وإقرار بالجميل دون نظر إلى ومن المكتشف أو عقيدته أو هويته المميزة، وانما ينبغي التركيز على صحة المنهج وصحة القول وصحة الطرح والاستدلال والبرهنة، ومن ثم صحة الثبوت المتوائم على منطق القواعد الثابته المتفق على صحتها ورسوخها لدى العقل الجمعي العام .
وبناء عل ما سبق، يتضح بطلان مصطلح ( أسلمة المعرفة ) الذي شكل أحد مسارات العمل لدى بعض الجهات والمؤسسات الإسلامية في مرحلة سابقة، وربما ما زالت موجودة، والتي وجدت في لحظة الأعتراف بالسبق الغربي في مجالات العلم الحديث، مما دفع بعضهم إلى تحت ( أسلمة المعرفة ) من باب الشعور بضرورة استعارة ما توصل اليه الأخرون على صعيد الانجازات المعرفية ولكن مع بذل بعض الجهود في التعديل أو ادخال بعض الصبغات الدينية التي تجعله صالحاً للاستخدام من وجهة نظر أصحاب هذا الاتجاه، ولكن ينضج عدم صوابية هذا المنهج، لأن المعرفة لاتحتاج إلى أسلمة، ولاتحتاج إلى صبغة دينية، وانما تحتاج إلى فحص وتبين واثبات أو إلى إبطال، وكل ما كان صحيحاً يجب أن يكون محل إقرار واعتراف، ومن ثم امكانية الاستفادة مع عدم إهمال نسبة الفضل لأهله.
القضية الأخرى أن نظرية البناء المعرفي، تجعلنا نقف على دور الدين الحقيقي بزيادة فاعلية العقل ليكون قادراً على خوض مجالات المعرفة ودخول معترك المنافسة في الاكتشافات والبحث والنظر، ومن يجعل الدين سبباً لكسل العقل وبلادة الذهن والارتكاس في التخلف الثقافي والحضاري، فهو لايفهم الدين ولايعرف جوهره ومقاصده وغاياته، حيث أن الدين جاء ليجعل الإنسان خليفة في الأرض والخلافة في الأرض تقوم على إعمار الكون واصلاح الأرض، وحمل رسالة الخير ومواجهة الظلم والفساد، ولايتم الاصلاح والإعمار الاّ بالعلم وحض العقل على الاكتشاف والابداع واستحدام موجودات الكون بما يحقق سعادة البشرية وينفي شقاءها،امتثالاً لقوله تعالى : (طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى )
بقي القول إن البناء المعرفي ملك للبشرية، وهو مشترك بين جميع أمم الأرض وشعوب العالم، وينبغي أن يكون هذا البناء سبباً في نشر السعادة بين الناس ووقف عمليات القتل والتدمير والتخريب التي تتم بإدارة القادة الأشرار واستغفال الجهلاء.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو