الخميس 2024-12-12 06:35 م
 

«عصفورية» زراعية

08:26 ص




احد إفرازات أزمة القطاع الزراعي، يتمثل بتعرض عدد كبير من المزارعين لملاحقات قضائية ، ودخول بعضهم الى السجون ، بسبب عدم قدرتهم على تسديد قيمة شيكات ،وأقساط قروض لصالح مؤسسة الإقراض الزراعي ،أو بنوك وتجار مواد زراعة ، وجهات أخرى دائنة . لكن يبدو أننا أمام مشكلة أخرى أكثر خطورة ، تتمثل باحتمال تعرض عدد من المزارعين لأمراض نفسية ، الأمر الذي يتطلب بناء مستشفى أمراض نفسية «عصفورية» خاص بهم !اضافة اعلان



التقيت قبل يومين أحد المزارعين، الذي تربطني معه علاقة طيبة ، وكان شارد الذهن وبالكاد عرفني، سألته ما بك ؟ فقال أرسلت سيارة ، يقصد «بك أب - ديانا» ،محملة بما يقارب طنين من محصول الجزر الى السوق المركزي، وكانت الحصيلة خمسة دنانير فقط ! ويمكن تخيل حجم الخسائر ، التي تندرج تحت بنود تحضير الأرض وثمن مياه الري والبذور، وغيرها من مستلزمات الانتاج ، والعمالة والنقل.. وغيرها !


هذه عينة للكوارث التي يتعرض لها القطاع الزراعي، وليست ببعيد الصور والمشاهد التي نشرتها وسائل الاعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي لكميات كبيرة، من محاصيل البندورة والباذنجان والكوسا وغيرها ، التي ألقى بها المزارعون على قارعة الطريق، خلال اعتصامات واحتجاجات ، لأن ذلك أكثر جدوى من إرسالها الى السوق ، بسبب انهيار الأسعار !


هذه الصورة البائسة لأحوال المزارعين، تغيب عن أذهان المستهلكين الذي يرفعون أصواتهم بالشكوى عبر وسائل الاعلام ، عندما ترتفع أسعار المنتجات الزراعية ،في بعض المواسم ،وفقا لقاعدة العرض والطلب، وهذا أمر مفهوم في إطار تضارب المصالح بين شرائح المجتمع .


أصبحت الكتابة عن أزمات القطاع الزراعي مكررة، فالعديد من عناصر الأزمة ، خاصة التسويق وارتفاع كلف الانتاج والعمالة ، موجودة على أجندة الحكومات منذ أكثر من ثلاثة عقود، وقد كتبت شخصيا الكثير من التحقيقات والمقالات حول عناصر الأزمة المركبة ، لكن الجديد هو تفاقم أزمة التسويق خلال السنوات الأربع الماضية ، بسبب خسارة أسواق تقليدية لصادراتنا الزراعية ،مثل سوريا والعراق ولبنان وتركيا ، نتيجة إغلاق الحدود البرية السورية والعراقية ، بفعل الحروب الأهلية .


يسجل لاتحاد مزارعي وادي الاردن متابعته الدؤوبة، للمشكلات التي يواجهها المزارعون ، ومحاولاته البحث عن حلول لها، من خلال اتصالاته مع الجهات الحكومة المعنية، وفي هذا الإطار التقى مجلس إدارة الاتحاد قبل بضعة أيام، مع رئيس الوزراء بحضور وزيري الزراعة والعمل ومدير عام مؤسسة الإقراض الزراعي، وتم عرض مطالب القطاع الزراعي ،وهي ليست جديدة ، وبعضها تم مناقشته تحت قبة البرلمان ، وأهمها تقديم تعويضات عن أضرار الصقيع، وتقديم تسهيلات لعملية تصدير المنتجات الزراعية عبر الشحن البحري والجوي، وشطب مخالفات مياه الري المترتبة على المزارعين ،وتأجيل الديون الزراعية، وفتح باب العمالة من عدة جهات ،والتركيز على الصناعات الغذائية وخاصة رب البندورة .


مجلس الادارة خرج بانطباع ايجابي لاستجابة رئيس الوزراء والفريق الحكومي مع بعض طلبات المزارعين، والتعهد بمواصلة الجهود لفتح منافذ تسويقية جديدة .


قد يقول البعض أنه من الصعب ، وجود حلول سريعة وسحرية لأزمات مستعصية ، وهذا صحيح ،لكننا أمام حالة تراوح مكانها منذ عشرات السنين، ولا يغيب عن الذهن أن المسؤولية لا تتحملها الجهات الرسمة وحدها، فهناك مسؤولية تقع على كاهل المزارع أيضا، فالعديد من العائلات التي تمتلك وحدات زراعية، تعتمد في إدارتها على العمالة الوافدة، وهناك نماذج عديدة يضرب بها المثل لبعض الوافدين ، الذين يستأجرون وحدات زراعية من أردنيين تحقق لهم دخلا مجزيا، وهناك شخص يضرب به المثل من العمالة الوافدة ، أصبح من كبار المزارعين في الاغوار ، ويستأجر عشرات الوحدات الزراعية !


تدرس أمانة عمان حاليا ، إقامة ساحة مجاورة لسوق الخضار المركزي، وتخصيصها لعمليات بيع المنتجات الزراعية مباشرة ،من قبل المزارعين الى التجار، بهدف اختصار الحلقة التسويقية الوسيطة ،وحتى الان من الصعب الحكم على جدوى هذه الفكرة ، في المساهمة بحل أزمة التسويق الزراعي، لكنها مبادرة جيدة علينا انتظار تنفيذها .


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة