الوكيل الإخباري - ترددت إحدى الشابات بسرد قصتها عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لما قد تلاقيه عائلتها من وصم كونها تعاني من انتكاسات في السلامة النفسية، واصفة يوم دخولها لأحد مستشفيات الصحة النفسية بـ "نهاية العالم"، بيد أن نظرتها للحياة تغيرت وقررت عدم الاستسلام والمضي بالعلاج قدما بعدما تلقت الرعاية الطبية اللازمة هناك.
وضاقت الحياة ذرعا بأخرى بعد أن أحست بأنها "غريبة عن أهلها" بحسب تعبيرها، مشتكية من عدم ثقة والديها بها ومنعها من اتخاذ أي قرار يخصها كونها "مريضة نفسيا".
ففي هذه المسألة نادى متخصصون بمحاربة وصم من يعانون من اضطرابات نفسية من خلال تقديم الدعم اللازم لهم، ودرء المفاهيم المغلوطة السائدة حولهم، ذلك أن السلامة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية،
مستندين على إحصائيات منظمة الصحة العالمية التي بينت أن ما لا يقل عن 450 مليون إلى مليار إنسان من البشر يعانون نوعا من هذه الاضطرابات.
وأكد هؤلاء المتخصصون أن 60 % ممن يعانون إضطرابات نفسية وعقلية لا يطلبون المساعدة المتخصصة خوفا من الوصم، مشددين على أهمية أن يكون لوسائل الإعلام المختلفة دور محوري في تحقيق هذه الغاية، بدعم من أصحاب الاختصاصات النفسية، والنشطاء المجتمعيين.
وكان مستشار الطب النفسي الدكتور وليد سرحان أطلق في شباط الماضي المبادرة العربية لمكافحة الوصمة الاجتماعية ضد المرض النفسي، بهدف نشر الوعي حول تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية، وتفنيد المعتقدات الخاطئة التي تدور حولها، وصولا الى منح الصحة النفسية الأولوية المناسبة ضمن الخدمات الصحية المقدمة في مختلف الدول العربية.
وأوضح سرحان في هذا السياق أن الوصمة المجتمعية تشكل عائقا أمام المريض النفسي لتلقي العلاج المناسب ما قد يفاقم مآلات المرض على الفرد والأسرة والمجتمع، ويؤثر على انتاجية الفرد وسلوكه، داعيا إلى صياغة استراتيجيات قائمة على برامج وطنية تتبناها الدول العربية لتحقيق هذا الهدف.
ويقول المتخصص في الطب النفسي العام والعلاج والتدريب النفسي للأطفال والمراهقين الدكتور ملهم الحراكي، إن وصمة الطب النفسي مرجعها ارتباط الاضطراب النفسي المرضي بمفاهيم مغلوطة تلحق العار بالشخص المصاب به، كربط الاختلالات النفسية بضعف الإيمان والكفر، أو ضعف الشخصية، أو ربطه بالجريمة، إضافة الى تشويه العلاجات النفسية وتصويرها بصورة مرعبة.
وبين أن مشكلة الوصمة في الطب النفسي تكمن في تأثيرها على أبعاد مختلفة من الصحة النفسية المجتمعية، منها؛ ابتعاد الأطباء عن دراسة هذا التخصص، وتجنب الأطباء غير النفسيين تحويل مرضاهم ممن يحتاجون للرعاية النفسية لعيادات الاختصاص، وكذلك لابتعاد المرضى ذاتهم عن المعالجة النفسية المقننة، وانقطاع المرضى المراجعين في هذه العيادات عن متابعة العلاج، وبالتالي تعرّضهم للانتكاسة، التي عادةً ما يكون علاجها أصعب.
واقترح الحراكي عددا من الحلول لتجاوز هذه الوصمة وأثرها المدمّر على الصحة النفسية المجتمعية أبرزها نشر المعلومات النفسية الصحيحة من خلال العاملين في القطاع، ونشر الثقافة النفسية من خلال إدخال مناهج علم النفس ومبادئ الصحة النفسية للمناهج التعليمية، والتثقيف المجتمعي عن أعراض الاضطرابات النفسية، داعيا الأطباء والأخصائيين الى التدرب على مهارات وأخلاقيات "الطب النفسي عن بعد"، الذي له دور هام في الوصول إلى المرضى وعائلاتهم.
وتهدف دائرة التوعية الصحية في وزارة الصحة وفق مديرتها الدكتورة عبير موسوس، الى رفع الوعي الصحي كنوع من الوقاية ضد جميع الأمراض سواء أكانت باتجاه الصحة النفسية أو الصحة البدنية، من خلال بث رسائل توعوية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي التي تضحد الأفكار السلبية المتداولة حول مريض الصحة النفسية من قبيل أنه يجلب العار أو العيب لأسرته.
ويوضح المتخصص في علم الاجتماع الدكتور حسين محادين هذه المشكلة بالقول، إن نظرية الوصم الإجتماعي تقوم على إسقاط وعي ما نحو موقف عام تجاه الأشخاص المعنيين به، وتنتشر هذه الفكرة بشكل يشبه التفاعل المتسلسل بين الأفراد والمجموعات لتصبح جزءا من مكونات العقل الجمعي للمجتمع.
وأشار إلى أن الوصمة التي قللت من أعداد المرتادين للعلاج في العيادات النفسية، أو أولئك الذين يعترفون بإصابتهم باضطرابات من هذا النوع، تعود الى تدني الوعي الجمعي تجاه هذه المشاكل، حيث يعتقد الانسان بحدود الظاهر من السلوكيات ولا يصل إلى معرفة الجذور.
وألمح في هذا الصدد إلى أهمية زيادة الوعي المجتمعي لدى الأفراد للإفصاح عن حاجتهم إلى التداوي للوصول إلى السلامة العقلية والنفسية كوسيلة للتخلص من مساحة الوصمة الاجتماعية غير العلمية.
من جانبه، افترض دكتور الإعلام كامل خورشيد مراد أن يكون للإعلام دور توعوي وتوجيهي يتبنى فكرة دعم المريض النفسي ضد الصورة النمطية المحيطة بهذه الفئة، معرفا التنميط بأنه مصطلح يقصد به وضع الشخص أو الموضوع في قالب نمطي معين يراد منه إضفاء هوية أو صورة معينة حول شيء ما.
ولفت إلى تراجع دور أدوات الإعلام التقليدية أمام وسائل التواصل الإجتماعي التي باتت تحت هيمنة المؤثرين في هذه العوالم الافتراضية فمنهم أصحاب الأجندات ومنهم الهواة حيث تعتبر مضامين هذه الحسابات متناثرة وغير متسقة بسبب عدم وجود مرجعيات راشدة.
وشدد مراد على دور الإعلام الرسمي الفاعل في توجيه رسائل إعلامية من شأنها رعاية ودعم هؤلاء الأشخاص على اعتبار أن المرض النفسي يظل مرضا بحاجة لعلاج كأي مرض بدني.
بترا
-
أخبار متعلقة
-
البطاينة: العثور على عائلة المعتقل العائد من سوريا
-
حزب الاتحاد الوطني الأردني يشارك في دعم ضحايا حادثة دار الضيافة للمسنين
-
بسبب تدخلات الوزراء .. مدير الجمارك يحيل نفسه على التقاعد
-
اربد تودع الشاب عمر السرحان "أبو حسن" بعد جريمة بشعة
-
فيديو يكشف قيام أحد المنتفعين المسنين بحريق الدار
-
الأمن يلقي القبض على قاتل أحد المواطنين في إربد
-
عجلون: 10ملايين دينار لتحسين شبكات المياه
-
التنمية الاجتماعية: مغادرة 23 مصابا بحريق دار مسنين المستشفى