الوكيل الإخباري - يُطبق عالم المخدرات بقبضته القاسية على الطفل "سالم" الذي استدرج إلى شم "الآغو" خلال عمله في ورشة لتصليح السيارات تحت ضغط فقر الأسرة التي أرادته "رجلا" قبل الأوان، فيما دفعت الظروف قرينه "أدهم" للعمل في مكب للنفايات في أعقاب تسمّم والده بوخزة إبرة طبية، كانت مضاعفاتها شديدة جعلت منه قعيدا في البيت.
لاحظت والدة "سالم" أن طفلها يعود منهكاً و "ذابلاً" يسيطر عليه النعاس فطلبت من زوجها عرض ولدها على الطبيب الذي أفاد بعد المُعاينة بأنّ الطفل مدمن ويعاني سوءاً شاملا في اوضاعه الصحية، بما في ذلك ضعف في عضلة القلب.
ومثل "سالم" و"أدهم" أيضا، هناك الطفل "حمزة" الذي تعرّضت يده لحرق شديد وهو يعمل على صاج الفلافل في مطعم، فيما تعرّض الطفل "سمير" لحروق شوّهت جسده جراء انسكاب "الاسيد" عليه في مصنع لمواد التنظيف.
هذه قصص أطفال بأسماء مستعارة تعدُّ "غيضاً من فيض" من عالم عمالة الاطفال الذي ينزلقون بفعل الاتساع المتسارع للفقر الى مهاوي المخدرات والامراض والتشوّهات الصحيّة التي لا ذنب لهم فيها، سوى انهم ولدوا لأسر فقيرة تكالبت عليها الظروف لتدفع ابناءها الى سوق عمل يصبح كل يوم متوحّشاً أكثر فأكثر، بفعل جائحة كورونا وتصاعد نسب البطالة والفقر وانسداد آفاق الحياة.
في جُعبةِ مستشارة حماية الطفل في جمعية "رواد الخير" لبناء المجتمع المحلي حنين حسن محمد، ما لا يُحصى أو يعدُّ من الأمثلة التي تميط اللثام عن المفاعيل العميقة لجائحة كورونا وانعكاسها على سوق العمل وتردي اوضاعه عموما، لافتة إلى أن هناك اعدادا كبيرة من الفتيات اللواتي تتراوح اعمارهن بين 11-14عاما يعملن لساعات طويلة في المنازل، لقاء اجور زهيدة، فضلا عن اعداد اخرى من الفتيان والفتيات، يعملون في المزارع من الثالثة فجرا وحتى السادسة مساء، في ظروف مأساوية.
وفيما تعرض حنين لعمل الجمعية وسعيها لمتابعة هذه الحالات، وتقديم العديد من الخدمات للأطفال تحت مظلة "إدارة الحالة للطفل"، تشير الى طفل أُصيب بتهتك شديد في اصبعه جرّاء عمله في سكراب.
وقالت، ان الجمعية تتابع حالات الاطفال العاملين المصابين مع اسرهم، لتقديم الدعم المادي والعلاجي، وإشراك الأطفال العاملين في برامج تعليمية ولامنهجية وتدريب مهني بحسب حالاتهم، وتستعين وتتعاون مع شركاء كثر في مقدمتهم، وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة العمل، فيما تقدّم منظمة "اليونسيف" الدعم الكامل لمشروع "الحد من عمالة الأطفال" في المناطق المستهدفة في منطقة سحاب ومحافظة الزرقاء وجنوب المملكة، الذي تنفذه الجمعية وفقا لأدوارها وبرامجها وضمن فرق متخصصة ومدربة ومهيّأة، تنزل للميدان لتوعية وتثقيف المجتمع والأسر وأصحاب المنشآت، وتوعية الأطفال أنفسهم بكيفية حماية أنفسهم من الاستغلال واللجوء إلى المؤسسات المعنية عند التعرض للخطر.
تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية واليونيسف في حزيران الماضي أشار إلى أن عدد الأطفال العاملين في العالم قفز إلى 160 مليونا بزيادة 8.4 مليون في السنوات الأربع الماضية، مع وجود ملايين أخرى معرضة لخطر العمل بسبب آثار كوفيد-19.
التقرير إيّاه أظهر ارتفاعا كبيرا في عدد الأطفال العاملين ضمن الفئة العمرية 5–11 عاماً، يمثلون اليوم أكثر من نصف الرقم العالمي الإجمالي، مشيرا الى أن عمل الأطفال ينتشر بين الفتيان بشكل أكثر من الفتيات، ويزداد عملهم في المناطق الريفية ثلاث مرات مقارنة بالمناطق الحضرية، وارتفع عدد الأطفال من هذه الفئة ممن يزاولون أعمالاً خطرة من 6.5 مليون عام 2016 إلى 79 مليونا، ويشغّل قطاع الزراعة وحده 70 بالمئة من الأطفال العاملين، يليه قطاع الخدمات بنسبة 20 بالمئة، و10 بالمئة في الصناعة.
وبحسب دائرة الإحصاءات العامة فإن معدل البطالة للربع الثاني من العام الحالي وصل إلى 8ر24 بالمئة، فيما يشير تقرير حالة البلاد 2020، الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إلى أهمية التخفيف من انماط التكيف الاجتماعية السلبية للأسرة مثل عمل الأطفال والتسول فضلا عن التسرب المدرسي الذي توقع زيادته نتيجة لتخوف أسر من إرسال أطفالها للمدارس او لأسباب تتعلق بفقد الدافعية لدى الأطفال بعد فترة انقطاع طويلة عن المدرسة، أو بسبب الأوضاع الاقتصادية للأسرة التي اتجهت نحو سحب أطفالها من المدارس الخاصة والبحث عن مقاعد لهم في المدارس الحكومية، مشددا على ضرورة تعديل تشريعات التسرب المدرسي وتوضيح الصلاحيات والإجراءات، وتفعيل نظام المساءلة والتحقق من التحاق الطلبة في الصف الأول.
مديرة جمعية "تمكين" للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان ليندا كلش، أوضحت أن ظاهرة التسرب المدرسي في تزايد حتى في ظل التعليم الوجاهي، داعية إلى تحديث المسح الوطني الخاص بعمالة الأطفال.
فالمشكلة تكمن- بحسب كلش- في أن آثار التعليم عن بعد ما زالت حاضرة، إذ اعتادت نسبة من الأطفال العاملين على العمل بدلا من الانتظام في الدراسة، موضحة أنه بعدما كان الأطفال العاملون يشعرون بالخزي أثناء عملهم أمام أقرانهم، إلا أن النظرة الاجتماعية لهم اختلفت في ظل ازدياد أعداد العاملين منهم تحت وطأة أزمة عصفت بالوضع الاقتصادي للأسر وأدت إلى ارتفاع معدلات البطالة.
وتسرد كلش أشكالا من المتاعب التي يتعرض لها الاطفال العاملون في مقدمتها، المتاعب النفسية والانتهاكات الجسدية واللفظية التي تمتد آثارها لفترات طويلة، في وقت يحرمون من حقهم بالتعلم واللعب واللهو، داعية إلى تغليظ العقوبات على صاحب المنشأة في حال تشغيله للطفل بأعمال خطرة أو بطريقة مخالفة، وأن لا تتوقف فقط عند الغرامة، ذلك أنه المستفيد الأكبر من تشغيله، وبأجر زهيد وبدون ضمان اجتماعي.
رئيس قسم تفتيش الحد من عمل الاطفال في وزارة العمل هيفاء درويش، أشارت إلى أنه يتم التأكد من مدى التزام اصحاب العمل بتطبيق مواد قانون العمل الاردني، موضحة ان الوزارة تموّل مشروعا لمكافحة عمل الاطفال ينفذه الصندوق الاردني الهاشمي (مركز جهد للدعم الاجتماعي)، لغايات تحويل الحالات المكتشفة من الاطفال العاملين للمركز لتلقي البرامج التعليمية والتربوية والنفسية، تمهيدا لإعادة إلحاقهم بمدارسهم، او توفير فرص تعليم اخرى، كالتدريب المهني وفقا لمتطلبات حالة كل منهم.
وبحسب بنود قانون العمل الاردني، يسمح للأحداث ما بين 16 إلى 18 عاما، بالعمل على أن لا يكون ضمن الأعمال الخطرة مع تطبيق الشروط التي حددها القانون، حيث يتم اتخاذ الاجراءات القانونية بحق صاحب العمل، بعد الزيارة التفتيشية إذا تبين تشغيل الطفل ضمن أعمال خطرة أو مخالفة، بحسب درويش التي بينت أن الاعمال الخطرة تحدد ضمن قرار وزير العمل، والذي تم تحديثه آخر مرة في العام 2011، مبينة أن أن لمفتش العمل مهام كثيرة، من ضمنها التفتيش على عمل الأطفال، وقد تم إجراء اربع حملات تفتيشية متخصصة في مكافحة عمل الاطفال منذ بداية العام الحالي على المواقع التي يكثر فيها تشغيل الأطفال.
وفيما يخص السياسات والاستراتيجيات، أشارت درويش إلى أنه تمت مخاطبة رئاسة الوزراء بتشكيل فريق وطني للحد من عمل الاطفال وتحديث الاستراتيجية الوطنية لمكافحة عمل الأطفال 2006، إذ تمت الموافقة على تشكيل الفريق من كافة الجهات المعنية، ووضع خطة عمل وطنية تنفيذية تحدد الادوار والمسؤوليات على المستوى الوطني لكل جهة ذات علاقة، لمحاولة الوصول إلى أردن خال من عمل الأطفال، داعية إلى الإبلاغ عن أي صاحب عمل لا يطبق الشروط الخاصة بتشغيل الأطفال، عبر الرابط الإلكتروني "Childlabor.jo".
مديرة الطفولة في المجلس الوطني لشؤون الأسرة مي سلطان، قالت، ان ظاهرتي ارتفاع نسبة عمالة الأطفال والأطفال المتسوّلين، هما في أولويات منظومة حماية الأسرة والطفل، مشيرة إلى أن المجلس عمل عام 2020 بالشراكة مع منظمة الامم المتحدة للطفولة" اليونيسف" على تحديث الإطار الوطني للحد من عمل الاطفال في ضوء التعديلات الاخيرة على قانون الأحداث، من خلال لجنة فنية متخصصة من الجهات المعنية، مشيرة إلى أن هذا الإطار الثاني الذي تم تحديثه وإقراره في العام الحالي من قبل رئاسة الوزراء.
وتضيف سلطان انه بعد العديد من المشاورات مع مجموعة من العاملين على مكافحة عمل الأطفال تم الاتفاق على تعريف عمل الأطفال بأنه "كل جهد فكري أو جسماني يبذله الطفل لقاء أجر أو بدون أجر سواء كان بشكل دائم أو عرضي أو مؤقت أو موسمي ويعتبر ضاراً له ويحرمه من فرص المواظبة على التعلم والدراسة، من خلال إجباره على ترك المدرسة قبل الأوان، أو يستلزم منه محاولة الجمع ما بين الدوام المدرسي، والعمل المكثف الطويل الساعات".
وتوضح أنه لضمان التطبيق الفعلي لهذه الوثيقة، تم تطوير الدليل الوطني لإجراءات التعامل مع حالات الاطفال العاملين والمتسولين مع مراعاة الإجراءات الداخليّة لكلّ منها مع السياسات والمبادئ والأدوار المبينة في دليل إجراءات التعامل مع حالات عمل الأطفال وتسول الاطفال والذي يهدف إلى ترجمة القوانين والأنظمة والتعليمات والأطر الوطنية المعنية في مكافحة عمل الأطفال، إلى دليل إجرائي مستند إلى "نهج المؤسسات المتعددة المرتكز على الطفل في أوضاع العمل وأسرهم".
وقالت، إن الدليل يهدف إلى ضمان الانسجام وترسيخ أسس التنسيق والتوحيد في إجراءات كافة المؤسسات المعنية على نحو يضمن تسلسلها وتحديد الأدوار والمسؤوليات وإيجاد لغة مشتركة بين المختصين والعاملين في مجال حماية الأطفال في أوضاع العمل من خلال احتوائه على تعريفات ومصطلحات موحدة، ومبادئ توجيهية للتعامل مع الحالات، وتوضيح سير إجراءات التعامل مع حالات الأطفال في أوضاع العمل بشكل تفصيلي لكل مرحلة (مرحلة الاكتشاف والتبليغ، ومرحلة الاستجابة الفورية، ومرحلة التدخل الشاملة انتهاء بإجراءات إغلاق الملف) بشكل هيكلي.
وأشارت الى انه تم إعداد دليل إجراءات العمل الخاصة بالتعامل مع الأطفال العاملين والمتسوّلين، من قبل المجلس الوطني لشؤون الأسرة بالتنسيق مع منظمة "اليونيسيف" وبالاشتراك مع عدد من الوزارات مثل وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة العمل ووزارة التربية والتعليم، والجهات الشريكة كإدارة حماية الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني.
وبينت أنه ومن خلال هذه الآلية الموضوعة سيتم توثيق إجراءات التعامل مع حالات عمل وتسوّل الأطفال في كل من وزارة التنمية الاجتماعية وإدارة حماية الأسرة والأحداث من خلال تطوير أدلة الإجراءات التفصيلية التي تعكس منهجيّة إدارة الحالة عند التعامل مع حالات عمل أو تسوُّل الأطفال والتي تتضمن اكتشاف الحالة أو التبليغ عنها، وتقديم الخدمات اللازمة لها.
من جانبها، قالت مسؤولة عمل الاطفال في منظمة العمل الدولية رزان الحديدي، إن المنظمة تعكف على مشاريع عمل الأطفال خاصة عمل الأطفال في قطاع الزراعة، مشيرة الى مشروع (آفاق) ومشروع العمل اللائق في قطاع زراعة الزهور الأردني، والذي يتضمن جزئية خاصة بعمل الأطفال خاصة في محافظات المفرق وإربد والزرقاء ومادبا والبلقاء، بالتعاون مع المنظمة والشركاء المعنيين كوزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
رئيس بيت العمال للدراسات المحامي حمادة أبو نجمة، قال، إن الأردن صادق عام 1989 على اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى اتفاقيتي العمل الدوليتين رقم (138) بشأن "الحد الأدنى لسن الاستخدام" عام 1997، والاتفاقية رقم (182) بشأن "حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال" عام 2000، والتي تفرض على الدول العمل على حماية الطفل بمختلف الجوانب.
وأشار إلى أنه رغم أن قانون العمل الأردني جاء منسجما مع هذه المبادئ، ومنع تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشر من عمره بأي صورة من الصور، كما منع تشغيله في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة قبل بلوغ الثامنة عشر من عمره، والتي تم تحديدها بقرار من وزير العمل، وأن لا تزيد ساعات عمله على ست ساعات في اليوم، وعاقب صاحب العمل المخالف لأي من هذه الأحكام بغرامة ما بين 300 و500 دينار، إلا أن هذه الأحكام لم تفلح في الحد من هذه المشكلة التي ما تزال تتفاقم سنويا، وما زالت حالات المخالفات التي يتم ضبطها والتي تبلغ سنويا ما يقرب من 500 حالة ضئيلة جدا بالمقارنة مع عدد الأطفال العاملين.
وأوضح ان صدور "الإطار الوطني للحد من حالات الأطفال العاملين والمتسولين" وكذلك "دليل إجراءات التعامل مع حالات الأطفال العاملين والمتسولين" وإقرارهما من مجلس الوزراء في آذار الماضي، يمثل نقلة نوعية في التعامل مع حالات عمل الأطفال، إلا أنه أعرب عن خشيته من أن يؤدي دمج موضوع الأطفال المتسولين في الإطار الجديد مع موضوع عمل الأطفال إلى نوع من الارتباك في التعامل مع قضايا عمل الأطفال نظرا لاختلاف طبيعة الإجراءات المتخذة بشأن كل منها، وأن يتسبب ذلك في المساس بمبدأ معاملة الطفل العامل على أنه ضحية، كما أن التوسع الكبير في الخدمات التي ستقدم من خلال هذا الإطار وتشعب الجهات المعنية بتقديمها وأهمية تعاونها معا يتطلب وجود جهة مشرفة على التنفيذ ذات إمكانيات واسعة وهو ما لا يتوفر لغاية الآن.
وأكد أهمية إنشاء قاعدة بيانات وطنية خاصة بعمل الأطفال، بحيث تشمل على البيانات المتعلقة بالأطفال العاملين وكذلك المنقطعين والمتسربين من المدارس، وحالات التسول، وحالات الباعة المتجولين، العابثين في النفايات بحيث تكون هذه المعلومات متاحة لجميع الجهات المعنية بقضايا عمل الأطفال.
وبالنسبة لقرار وزير العمل بخصوص الأعمال التي تشكل خطرا على الأطفال، دعا أبو نجمة الى الاستمرار بمراجعته بين فترة وأخرى لمراعاة التطورات التي تحصل على سوق العمل وطبيعة الأعمال التي يستخدم فيها الأطفال، والأخطار التي يتعرضون لها، على أن تتم المراجعة على مستوى فني متخصص في تحديد الأخطار، وعلى قاعدة التشاور والحوار بين ممثلي أطراف الإنتاج (العمال وأصحاب العمل والحكومة).
من جهته قال مقرر لجنة التعديلات الدستورية في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الدكتور ليث نصراوين، ان هناك بعض الإشارات إلى عمالة الأطفال في قانون العمل الأردني، والتي تتوافق مع الالتزامات الواردة في اتفاقية حقوق الطفل، بيد أن هناك حاجة لإصدار بعض الإجراءات التدبيرية للالتزام التام بأحكام الاتفاقية والمتعلقة بالعقوبات المقررة على عمالة الأطفال.
من جهتها تشدد عضو مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الانسان المحامية بسمة العواملة، على ضرورة الحماية اللاحقة للطفل، من خلال المتابعة، وتكثيف إجراءات التفتيش بشكل مفاجئ على المنشآت التي يزداد فيها عمل الأطفال بشكل مخالف على مدار العام، وليس ضمن أوقات محددة، وزيادة الجولات التفتيشية وأعداد المفتشين خاصة في المناطق النائية التي يكثر فيها أعداد الأطفال العاملين.
استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور عبدالله أبو عدس، قال، إن الطفل العامل يجتاز مرحلة الطفولة بسرعة قسرية او قهرية، حيث يتراجع النمو السيكولوجي الطبيعي الذي يسهم في بلوغ مستقر، فضلا عن أنهم يعانون من انتهاكات حقوقية، ويتعرضون لجملة من المنظومات الاخلاقية غير السوية واستخدام المؤثرات العقلية، الأمر الذي يولّد السلوك العدواني لديهم، ويدفع بهم إلى ارتكاب الجرائم والجنح او خرق منظومة القواعد القانونية او الاخلاقية الموجودة في المجتمع.
وأوضح أن الاطفال العاملين يتلقون أجورا أقل في ظروف عمل تمتد لساعات طويلة، ما يؤدي إلى استنزاف طاقاتهم في عمر مبكر وبما يؤثر على سلامة صحتهم النفسية والجسدية، ويؤدي ذلك الى شعور بعدم الأمان وتتولد لديهم الرغبة في إيذاء النفس أو المجتمع.
واعتبر أن زج الطفل إلى سوق العمل أو الشارع جريمة ضد الطفولة، داعيا إلى إيجاد بيئة اجتماعية حاضنة لبرامج متعددة الاختصاصات وذات أبعاد نفسية وتربوية واجتماعية واقتصادية ودينية ونفسية، لضمان حماية أفضل للطفل، على أن يتم تقييمها وتقويمها بشكل دوري، مع إعادة تأهيله في المدرسة، ذلك أن المقعد الدراسي ليس مقعدا فيزيائيا فقط، وإنما هو مقعد اجتماعي واخلاقي وفلسفي أيضا يشكّل شخصية الطالب.
رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور زيد الشمايلة، أوضح أن دفع الطفل نحو العمل يعتبر من أسهل الطرق بال للأسر المحتاجة، حيث لا يحتاج لكثير من رأس المال ليبدأ عمله، مستندا على العاطفة والميول الإنسانية لدى أبناء المجتمع لمساعدة هؤلاء الأطفال.
وأشار بهذا الخصوص الى علاقة الآباء ببعض المهنيين كعامل يشجع على دفع الأبناء للعمل متناسين أن أبناءهم يخالطون يوميا عشرات الأشخاص الذين لا يعرفونهم وقد يسمعون منهم كثيرا من الألفاظ أو يرون العديد من السلوكيات أو التفاعلات الاجتماعية غير اللائقة.
وأوضح الشمايلة أن هناك بعض النظريات الاجتماعية التي فسّرت أسباب عمل الأطفال، منها (نظرية الضبط الاجتماعي الداخلي) التي حمّلت الأسرة بالدرجة الأولى مسؤولية أي انحراف من أحد أفرادها نتيجة تقصيرها بحقوقه وضبط سلوكياته، بينما فسرت (نظرية الضبط الاجتماعي الخارجي) مسؤولية الجهات الخارجية المعنية، الناتجة عن تقصير إجراءاتها في التوجيه والتعليم والتثقيف، وعمليات المتابعة والرقابة والعلاج، فيما فسرت نظرية (التنشئة الاجتماعية) طبيعة سلوكيات بعض الأسر في طريقة تربية وتنشئة أبنائهم في ظروف غير ملائمة لأعمارهم من خلال ضخ الثقافة الذكورية لديهم.
مديرة الطفولة في المجلس الوطني لشؤون الأسرة مي سلطان، قالت، ان ظاهرتي ارتفاع نسبة عمالة الأطفال والأطفال المتسوّلين، هما في أولويات منظومة حماية الأسرة والطفل، مشيرة إلى أن المجلس عمل عام 2020 بالشراكة مع منظمة الامم المتحدة للطفولة" اليونيسف" على تحديث الإطار الوطني للحد من عمل الاطفال في ضوء التعديلات الاخيرة على قانون الأحداث، من خلال لجنة فنية متخصصة من الجهات المعنية، مشيرة إلى أن هذا الإطار الثاني الذي تم تحديثه وإقراره في العام الحالي من قبل رئاسة الوزراء.
وتضيف سلطان انه بعد العديد من المشاورات مع مجموعة من العاملين على مكافحة عمل الأطفال تم الاتفاق على تعريف عمل الأطفال بأنه "كل جهد فكري أو جسماني يبذله الطفل لقاء أجر أو بدون أجر سواء كان بشكل دائم أو عرضي أو مؤقت أو موسمي ويعتبر ضاراً له ويحرمه من فرص المواظبة على التعلم والدراسة، من خلال إجباره على ترك المدرسة قبل الأوان، أو يستلزم منه محاولة الجمع ما بين الدوام المدرسي، والعمل المكثف الطويل الساعات".
وتوضح أنه لضمان التطبيق الفعلي لهذه الوثيقة، تم تطوير الدليل الوطني لإجراءات التعامل مع حالات الاطفال العاملين والمتسولين مع مراعاة الإجراءات الداخليّة لكلّ منها مع السياسات والمبادئ والأدوار المبينة في دليل إجراءات التعامل مع حالات عمل الأطفال وتسول الاطفال والذي يهدف إلى ترجمة القوانين والأنظمة والتعليمات والأطر الوطنية المعنية في مكافحة عمل الأطفال، إلى دليل إجرائي مستند إلى "نهج المؤسسات المتعددة المرتكز على الطفل في أوضاع العمل وأسرهم".
وقالت، إن الدليل يهدف إلى ضمان الانسجام وترسيخ أسس التنسيق والتوحيد في إجراءات كافة المؤسسات المعنية على نحو يضمن تسلسلها وتحديد الأدوار والمسؤوليات وإيجاد لغة مشتركة بين المختصين والعاملين في مجال حماية الأطفال في أوضاع العمل من خلال احتوائه على تعريفات ومصطلحات موحدة، ومبادئ توجيهية للتعامل مع الحالات، وتوضيح سير إجراءات التعامل مع حالات الأطفال في أوضاع العمل بشكل تفصيلي لكل مرحلة (مرحلة الاكتشاف والتبليغ، ومرحلة الاستجابة الفورية، ومرحلة التدخل الشاملة انتهاء بإجراءات إغلاق الملف) بشكل هيكلي.
وأشارت الى انه تم إعداد دليل إجراءات العمل الخاصة بالتعامل مع الأطفال العاملين والمتسوّلين، من قبل المجلس الوطني لشؤون الأسرة بالتنسيق مع منظمة "اليونيسيف" وبالاشتراك مع عدد من الوزارات مثل وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة العمل ووزارة التربية والتعليم، والجهات الشريكة كإدارة حماية الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني.
وبينت أنه ومن خلال هذه الآلية الموضوعة سيتم توثيق إجراءات التعامل مع حالات عمل وتسوّل الأطفال في كل من وزارة التنمية الاجتماعية وإدارة حماية الأسرة والأحداث من خلال تطوير أدلة الإجراءات التفصيلية التي تعكس منهجيّة إدارة الحالة عند التعامل مع حالات عمل أو تسوُّل الأطفال والتي تتضمن اكتشاف الحالة أو التبليغ عنها، وتقديم الخدمات اللازمة لها.
من جانبها، قالت مسؤولة عمل الاطفال في منظمة العمل الدولية رزان الحديدي، إن المنظمة تعكف على مشاريع عمل الأطفال خاصة عمل الأطفال في قطاع الزراعة، مشيرة الى مشروع (آفاق) ومشروع العمل اللائق في قطاع زراعة الزهور الأردني، والذي يتضمن جزئية خاصة بعمل الأطفال خاصة في محافظات المفرق وإربد والزرقاء ومادبا والبلقاء، بالتعاون مع المنظمة والشركاء المعنيين كوزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
رئيس بيت العمال للدراسات المحامي حمادة أبو نجمة، قال، إن الأردن صادق عام 1989 على اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى اتفاقيتي العمل الدوليتين رقم (138) بشأن "الحد الأدنى لسن الاستخدام" عام 1997، والاتفاقية رقم (182) بشأن "حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال" عام 2000، والتي تفرض على الدول العمل على حماية الطفل بمختلف الجوانب.
وأشار إلى أنه رغم أن قانون العمل الأردني جاء منسجما مع هذه المبادئ، ومنع تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشر من عمره بأي صورة من الصور، كما منع تشغيله في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة قبل بلوغ الثامنة عشر من عمره، والتي تم تحديدها بقرار من وزير العمل، وأن لا تزيد ساعات عمله على ست ساعات في اليوم، وعاقب صاحب العمل المخالف لأي من هذه الأحكام بغرامة ما بين 300 و500 دينار، إلا أن هذه الأحكام لم تفلح في الحد من هذه المشكلة التي ما تزال تتفاقم سنويا، وما زالت حالات المخالفات التي يتم ضبطها والتي تبلغ سنويا ما يقرب من 500 حالة ضئيلة جدا بالمقارنة مع عدد الأطفال العاملين.
وأوضح ان صدور "الإطار الوطني للحد من حالات الأطفال العاملين والمتسولين" وكذلك "دليل إجراءات التعامل مع حالات الأطفال العاملين والمتسولين" وإقرارهما من مجلس الوزراء في آذار الماضي، يمثل نقلة نوعية في التعامل مع حالات عمل الأطفال، إلا أنه أعرب عن خشيته من أن يؤدي دمج موضوع الأطفال المتسولين في الإطار الجديد مع موضوع عمل الأطفال إلى نوع من الارتباك في التعامل مع قضايا عمل الأطفال نظرا لاختلاف طبيعة الإجراءات المتخذة بشأن كل منها، وأن يتسبب ذلك في المساس بمبدأ معاملة الطفل العامل على أنه ضحية، كما أن التوسع الكبير في الخدمات التي ستقدم من خلال هذا الإطار وتشعب الجهات المعنية بتقديمها وأهمية تعاونها معا يتطلب وجود جهة مشرفة على التنفيذ ذات إمكانيات واسعة وهو ما لا يتوفر لغاية الآن.
وأكد أهمية إنشاء قاعدة بيانات وطنية خاصة بعمل الأطفال، بحيث تشمل على البيانات المتعلقة بالأطفال العاملين وكذلك المنقطعين والمتسربين من المدارس، وحالات التسول، وحالات الباعة المتجولين، العابثين في النفايات بحيث تكون هذه المعلومات متاحة لجميع الجهات المعنية بقضايا عمل الأطفال.
وبالنسبة لقرار وزير العمل بخصوص الأعمال التي تشكل خطرا على الأطفال، دعا أبو نجمة الى الاستمرار بمراجعته بين فترة وأخرى لمراعاة التطورات التي تحصل على سوق العمل وطبيعة الأعمال التي يستخدم فيها الأطفال، والأخطار التي يتعرضون لها، على أن تتم المراجعة على مستوى فني متخصص في تحديد الأخطار، وعلى قاعدة التشاور والحوار بين ممثلي أطراف الإنتاج (العمال وأصحاب العمل والحكومة).
من جهته قال مقرر لجنة التعديلات الدستورية في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الدكتور ليث نصراوين، ان هناك بعض الإشارات إلى عمالة الأطفال في قانون العمل الأردني، والتي تتوافق مع الالتزامات الواردة في اتفاقية حقوق الطفل، بيد أن هناك حاجة لإصدار بعض الإجراءات التدبيرية للالتزام التام بأحكام الاتفاقية والمتعلقة بالعقوبات المقررة على عمالة الأطفال.
من جهتها تشدد عضو مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الانسان المحامية بسمة العواملة، على ضرورة الحماية اللاحقة للطفل، من خلال المتابعة، وتكثيف إجراءات التفتيش بشكل مفاجئ على المنشآت التي يزداد فيها عمل الأطفال بشكل مخالف على مدار العام، وليس ضمن أوقات محددة، وزيادة الجولات التفتيشية وأعداد المفتشين خاصة في المناطق النائية التي يكثر فيها أعداد الأطفال العاملين.
استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور عبدالله أبو عدس، قال، إن الطفل العامل يجتاز مرحلة الطفولة بسرعة قسرية او قهرية، حيث يتراجع النمو السيكولوجي الطبيعي الذي يسهم في بلوغ مستقر، فضلا عن أنهم يعانون من انتهاكات حقوقية، ويتعرضون لجملة من المنظومات الاخلاقية غير السوية واستخدام المؤثرات العقلية، الأمر الذي يولّد السلوك العدواني لديهم، ويدفع بهم إلى ارتكاب الجرائم والجنح او خرق منظومة القواعد القانونية او الاخلاقية الموجودة في المجتمع.
وأوضح أن الاطفال العاملين يتلقون أجورا أقل في ظروف عمل تمتد لساعات طويلة، ما يؤدي إلى استنزاف طاقاتهم في عمر مبكر وبما يؤثر على سلامة صحتهم النفسية والجسدية، ويؤدي ذلك الى شعور بعدم الأمان وتتولد لديهم الرغبة في إيذاء النفس أو المجتمع.
واعتبر أن زج الطفل إلى سوق العمل أو الشارع جريمة ضد الطفولة، داعيا إلى إيجاد بيئة اجتماعية حاضنة لبرامج متعددة الاختصاصات وذات أبعاد نفسية وتربوية واجتماعية واقتصادية ودينية ونفسية، لضمان حماية أفضل للطفل، على أن يتم تقييمها وتقويمها بشكل دوري، مع إعادة تأهيله في المدرسة، ذلك أن المقعد الدراسي ليس مقعدا فيزيائيا فقط، وإنما هو مقعد اجتماعي واخلاقي وفلسفي أيضا يشكّل شخصية الطالب.
رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور زيد الشمايلة، أوضح أن دفع الطفل نحو العمل يعتبر من أسهل الطرق بال للأسر المحتاجة، حيث لا يحتاج لكثير من رأس المال ليبدأ عمله، مستندا على العاطفة والميول الإنسانية لدى أبناء المجتمع لمساعدة هؤلاء الأطفال.
وأشار بهذا الخصوص الى علاقة الآباء ببعض المهنيين كعامل يشجع على دفع الأبناء للعمل متناسين أن أبناءهم يخالطون يوميا عشرات الأشخاص الذين لا يعرفونهم وقد يسمعون منهم كثيرا من الألفاظ أو يرون العديد من السلوكيات أو التفاعلات الاجتماعية غير اللائقة.
وأوضح الشمايلة أن هناك بعض النظريات الاجتماعية التي فسّرت أسباب عمل الأطفال، منها (نظرية الضبط الاجتماعي الداخلي) التي حمّلت الأسرة بالدرجة الأولى مسؤولية أي انحراف من أحد أفرادها نتيجة تقصيرها بحقوقه وضبط سلوكياته، بينما فسرت (نظرية الضبط الاجتماعي الخارجي) مسؤولية الجهات الخارجية المعنية، الناتجة عن تقصير إجراءاتها في التوجيه والتعليم والتثقيف، وعمليات المتابعة والرقابة والعلاج، فيما فسرت نظرية (التنشئة الاجتماعية) طبيعة سلوكيات بعض الأسر في طريقة تربية وتنشئة أبنائهم في ظروف غير ملائمة لأعمارهم من خلال ضخ الثقافة الذكورية لديهم. (بترا)
-
أخبار متعلقة
-
الاردن يهنئ السعودية
-
الاردن.. شركة دخان تعدل اسعارها وتعمم على تجار التجزئة وهذه الاسعار
-
الملكة رانيا العبدالله تقيم مأدبة غداء لعدد من السيدات في سحاب
-
تنويه حكومي هام بشأن دفتر خدمة العلم
-
الملك يلتقي رئيس دولة الإمارات لبحث الأحداث في سوريا والإقليم
-
وزارة الزراعة تستأنف تصدير الأغنام
-
بيان صادر عن الجمعيات التعاونية لمربي الأبقار
-
المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات ينفذ تمريناً وطنياً شاملاً "درب الأمان/ 4"