الخميس 25-04-2024
الوكيل الاخباري
 

أنت تسأل والبابا يجيب



كان التلميذ يراجع دروسه في البيت، بينما جناب الوالد يقلّب في المحطات الفضائية، باحثا عن مباريات كأس العالم التي تبث مجانا، وحينما يعجز يتنقل بين ما يجري في العراق، إلى سوريا إلى ليبيا إلى فلسطين...إلى... إلى حرف جر، يجرّ المنطقة الى الحضيض.اضافة اعلان


صرخ الولد:

- بابا بابا

- إيش يا ولد؟

- شو معنى الكموج؟؟؟؟

- شو؟؟؟

- الكموج يا بابا!

خشي الوالد الرؤوم أن يعترف بعدم معرفته فتهتز صورته امام فلذة كبده، وتذهب هيبته أدراج الرياح، فقال:

- الكموج.... الكموج ...أعتقد أنني قرأت عنه في مكان ما....تذكرته: نبات شوكي صحراوي له زهرة صفراء مربعة ورائحته عطرية، ويستخدمه البدو لتطهير الجروح، بعد أن يهرسوه ويضيفوا إليه حليب النوق.

- شكرا بابا .... خلّيني اكتبها حتى ما أنساها.

(الوالد يهمهم فخرا)

- عفوا بابا، لكن وين قرأت عنه .... هذا لا يعرفه إلا العلماء؟

- قرأته في مجلد قديم. وما مناسبة الحديث عنه؟

- جاءت الكلمة في بيت شعر لأمرئ القيس يقول:

وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

هذه ليست مجرد نكته -يا سادة يا كرام-. وهذا الحوار الدراماتيكي، هو أسلوب حياه عندنا، فلا السائل يعرف كيف يسأل، ولا المجيب، يقول الحقيقة أو يعترف بأنه لا يعرف (مثلا)، لذلك تضيع الحقائق وتتيه في برزخ الكلام، بين أخوات كان وبنات عم إن.

الحقيقة هي الشهيد الدائم الإخضرار عندنا، ونعتدي عليها دوما، إما لأننا نخشى الاعتراف بعدم المعرفة، أو أننا ندين بالولاء للجهل، ونجمل أخطاء من نحب، ونشوه أخلاق من نكره.

أول الدروس التي علينا أن نبحث عمن يعلمنا إياها هي دروس أدبيات الحوار، السائل عما يسأل والمجيب كيف يجيب، لعلنا نصل في يوم من الأيام إلى معادلة قبول بعضنا، تمهيدا للاعتراف بين أنفسنا-على الأقل- بأن لا أحد منا يحتكر الحقيقة...أي حقيقة.

بالمناسبة:

ما هوالكموج؟