الثلاثاء 19-03-2024
الوكيل الاخباري
 

استيراد وتصدير وألغاز قبل وأثناء زمن باك تو باك.



بعض المواقف التي تتمخض عنها معاملات السوق، تبدو عصية على الفهم، وتصبح طلاسم حين نتحدث عن أسواق المنتجات الزراعية في الأردن، وهذا ما نستدل عليه حين تنطلق هجمة ضارية ضد تجار ومصدري ومستوردي الخضار والفواكه، ترتفع وتيرتها في الرأي العام وعلى كل الألسنة وتقوض كل أنواع الثقة بالمؤسسات المسؤولة عن التسويق، وقد تتسع مساحة الثقة المحروقة، لتطال قطاعات وجهات رسمية أخرى، لا تلعب دورا رئيسيا في معادلة الثالوث (مزارع، مستهلك، تاجر)، وبأكثر من مثال واحد يمكننا تأكيد وجود هذه الطلاسم والألغاز:اضافة اعلان


يصرخ المزارع بأن سعر صندوق البندورة (على بعضه) يباع من المزرعة بنصف دينار ولو افترضنا أنه أصغر صندوق، ويتسع فقط لـ ٥ كيلو، فأن الأمر يصبح صادما وباعثا على الجنون، حين يصيح المستهلك بدوره بأن ثمن كيلوغرام واحد من البندورة في محلات البقالة وغيرها يتجاوز ٧٠ قرشا، بينما كل الصندوق ثمنه نصف دينار !!.
المثال معروف ومعاد للمرة المليون كما نعلم، والبحث عن السبب ما زال يجري ومعه تسري انهيارات  الثقة بكل أشكالها، والمؤكد بالنسبة لي أن نصف الحل الصحيح لهذا اللغز، يكمن في المثل (أعطي الخبز لخبازه)، أي إجعل إدارة أسواق الخضار والفواكه المركزية بيد وزارة الزراعة وليس البلديات والأمانة، والنصف الآخر تفاصيل بسيطة.

ليس هذا هو اللغز الوحيد في تجارة المنتجات الزراعية، بل هناك المزيد، لا سيما على صعيد الاستيراد والتصدير، وقد لفت انتباهي الحديث الموضوعي الذي يصدر عن وزير الزراعة بالوكالة المهندس صالح الخرابشة، فهو يعترف بأن بعض المشاكل تتعلق بالبيروقراطية في بعض الإجراءات، وأن الوزارة بصدد إيجاد حلول جذرية لهذه البيروقراطية من خلال أتمتة كثير من الإجراءات التي تتعلق بإصدار رخص الاستيراد وإجراءات التصدير، والعوامل المؤثرة في تعزيز تنافسية منتجاتنا المحلية مع نظيرتها الخارجية في الأسواق الخارجية، ويستقبل اقتراحات كل المعنيين بهذه العملية من مستوردين ومصدرين، علاوة على العمل على تفعيل مختبرات العقبة في أقرب وقت.
تفحصت جدولا لصادراتنا من الخضار والفواكه لثلاثة أعوام متتالية ( ٢٠١٧ و ١٨ و١٩ )، حيث بلغت كميات الخضار والفواكه المحلية المصدرة للخارج للأعوام المذكورة وعلى التوالي ( ٥٧٢٩٧٢، ٥٢٤٠٠٣، ٥١٢٨١٦ ) الف طن سنويا.
ولو توقفنا هنا لاعتقدنا بأن القطاع يتراجع، لكن يختلف الانطباع حين ننظر الى أرقام العائدات المالية المتصاعدة كل عام عن العام الذي سبقه، حيث بلغت للأعوام المذكورة وعلى التوالي ( ٣٦٠، ٤٢٠، ٤٤١ ) مليون دينار سنويا، وهنا يظهر اللغز ثانية، لكنه هذه المرة لغز إيجابي، يبين مدى التقدم وحجم التغيير في نمط التفكير لدى المزارع الأردني، حيث نفهم ارتفاع العائدات المالية السنوية مقارنة بانخفاض قيم الصادرات، بأن المزارع الأردني قد لجأ إلى زراعات جديدة مطلوبة في الأسواق الخارجية، لم يكن يزرعها في السابق أو لم يكن انتاجه منها يغطي الحاجة المحلية، أو لا يحقق مواصفات الأسواق الخارجية الصارمة.

وسوف نسجل مثل هذه الأرقام المعبرة بشكل أكثر وحجم أكبر لو لجأنا أيضا الى تحسين التصنيع الغذائي، وانتهاج رزنامة زراعية ذكية تركز على نوع المنتجات وحجم الطلب عليه محليا وخارجيا. هل تعلمون أن لا علاقة لوزارة الزراعة بأخطر مشاكل التسويق للمنتجات الزراعية محليا وخارجيا والتي تواجه المزارع ثم المستهلك والتاجر؟ ولا أتحدث هنا عن الأيدي العاملة والأيدي المختصة فقط، بل أيضا عن مشاكل النقل، ويكفي أن أذكر هنا أن لجوء الدولة الى أسلوب (باك تو باك) لنقل البضائع العابرة للحدود الأردنية، قد تسبب في إبعاد منتجات زراعية أردنية كثيرة عن المنافسة في الأسواق الخارجية ! ولا أتحدث عن المال الذي تم هدره وحرمان الخزينة منه، بل عن الأمر الذي أدى الى ارتفاع أجور النقل الخارجي، لتصبح ٢٢ قرشا مثلا تكلفة نقل كيلو غرام من البندورة الأردنية الى سوق الإمارات العربية، فهل يمكن لبندورتنا ان تنافس بندورة أخرى بلغت ٨ قروش فقط تكلفة نقل كيلو غرام منها الى أسواق الامارات؟.
هل آن أوان العمل الموضوعي على هذه الملفات؟ هذا ما تحاول الحكومة فعله، ونقول تفاؤلا: لقد أصبحنا على مقربة من رؤيتنا لتغييرات جذرية في الإجراءات ولنتائج واعدة في هذا القطاع الحيوي المهم.