لم أعرف أحدا في حياتي اكثر لياقة واعتدادا بقوته البدنية اكثر من ضابط الحرس الملكي السابق ومرافق جلالة الملك حسين رحمه الله ولاحقا الخبير الامني في البحرين الذي اتقن كل فنون القتال البدني كما يتقنها الصينيون والكوريون وبرع في الرماية لدرجة انه كان قادرا على ان يصيب اظفار الابهام في الاقلام التي اعدت للتدريب عشر مرات متوالية دون ان تخرج الرصاصة عن مربع السنتيمتر.
في العام 1980 اوفدت من قبل الامن العام الى الولايات المتحدة الاميركية- جامعة جنوب كاليفورنيا لاستكمال دراسة الماجستير والدكتوراه في العلوم الاجتماعية . في تلك الايام كانت مشاعر التوتر والخوف لدى الاميركيين على اشدها فقد نجحت الثورة الايرانية واصبح الخميني زعيما روحيا وسياسيا لامبراطورية الفرس وماج الثوار الايرانيون غضبا ضد الولايات المتحدة واحتلوا سفارتها في طهران واخذوا طاقم السفارة رهائن.
في تلك الايام كانت ملامحنا الشرق اوسطية تخيف الاميركي العادي فمعظمهم لا يميز بين العربي والايراني لذا اقتضى الامر ان لا يتجول احدنا كثيرا ففي مرات عديدة لاحظنا مشاعر الرفض واللاقبول والازدراء في عيون من نقابلهم من الاميركيين. وما هي الا اشهر حتى اجريت الانتخابات الرئاسية الاميركية وفاز رونالد ريغان الذي تمكن من تحرير الرهائن في صفقة سريعة مع الايرانيين ليتغير المزاج الاميركي العام ويخف الضغط الذي عانيناه طوال ازمة الرهائن التي احتلت الاخبار عن تطوراتها الاولوية الاولى على كل محطات وشبكات الاخبار الاميركية.
من بين كل الاردنيين الذين عاشوا تلك الفترة كان حسين توقه الذي كان احد اهم الخبراء والمدربين الامنيين لشرطة المدن في لوس انجلوس وانهايم ويوينا بارك وغيرها فقد كان مدربا متمرسا يملك قدرات بدنية وذهنية ومهارات فنية عالية وقد حظي باحترام الشرطة وكان اعضاء اتحاد الشرطة الاميركية يتسابقون في استضافته لاعطاء محاضرة هنا او عقد برنامج تدريبي هناك وانعكس كل ذلك على صورة الاردن حيث قال لي احدهم ذات يوم ان الشرطة وقوى الامن الاردنية هي الافضل تدريبا في العالم.
ما ان انهيت تدريبي في الادارة العامة وبعد ان تحولت الى قسم علم الاجتماع قررت ان اعد اطروحتي عن «الصور الذهنية للشرطة بين ما يقدمه الشرطة عن انفسهم وحقيقة ادوارهم» كمتطلب لاستكمال الاطروحة كان علي ان ارافق شرطة المدن في جنوب كاليفورنيا في دورياتهم واحلل طبيعة النداءات التي يستقبلونها وكيفية تصميمها والاستجابة لها . لهذه الغاية اخترت مديريات الشرطة في مدن انهايم وبوينا بارك وجاردن غروف وقد وضعت برنامجا تفصيليا للشفتات التي سألتحق بها واوقع نماذج تخلي الشرطة من مسؤولية ما قد يحدث لي فالدوريات قد تتعرض لاخطار وقد يطلق عليها النار خصوصا تلك الشفتات التي تخرج في اوقات السحر او في اواخر الليل وحتى الصباح « Grave Yard Shift».
في تلك الفترة عاملتني مديريات الشرطة بتقدير يصعب وصفه واشعروني بانني جئت لاعلمهم لا لاتعلم منهم كل ذلك بفضل الانطباع الحسن و السمعة الطيبة اللتين حظي بهما العقيد حرس ملكي متقاعد حسين عمر توقة. كنت التقيه في ردهات الجامعة واشكره على الارث الطيب الذي ورثني اياه والصورة الناصعة التي قدمها عن القوى الامنية الاردنية .
بالرغم من اننا لم نلتق كثيرا ولكن منذ عودتنا للبلاد عين هو سفيرا في ليبيا وبقيت انا اتنقل بين الامن العام والاكاديميات والمؤسسات شبه الحكومية والاعلام الا انه زارني للتهنئة عندما اصبحت وزيرا العام 2005 وكانت الحكومة السابقة لنا قد اتخذت قرارا باحالته واكثر من 14 سفيرا الى التقاعد. كنت اعتقد ان مثل هذا الرجل مكتنز بالطاقة والحب والعطاء الا اننا وفي حالات كثر نقول ما لا نفعل … رحم الله حسين عمر توقه فقد هزم كل الخصوم الا الفيروس اللعين.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي