السبت 27-04-2024
الوكيل الاخباري
 

"الممر"



السینما التي كانت وسیلة الترفیھ الأولى للشباب والیافعین والعشاق في ستینیات وسبعینیات القرن الماضي اصبحت إحدى اقل وسائل الترفیھ جاذبیة بعد أن توسع استخدام الیوتیوب وزاد الاقبال على الوسائل والمرافق الترفیھیة الأخرى. في عمان والمفرق والعقبة والزرقاء وإربد كان العدید من دور السینما وجمھور لدورھا التي تنتشر في الاسواق الرئیسة. بعض الأسر تحرص على اصطحاب أفرادھا لمشاھدة الافلام في الاعیاد، وآخرون أدمنوا علیھا فحضروا كل فیلم عربي وھندي وغربي وصل إلى صالات العرض.اضافة اعلان


یوم الجمعة الماضي كنت بین العشرات الذین حضروا احد اھم الاعمال السینمائیة المنتجة لھذا العام فقد اسدل الستار عن اول عروض فیلم ”الممر“ الذي انتجتھ السینما بالتعاون مع القوات المسلحة المصریة. ساعات طویلة امضیناھا بانتظار تشریف النجوم الذین عملوا على تجسید ادوار ابطال إحدى الملاحم التي سطرھا ضباط وافراد القوات المسلحة المصریة ابان حرب الاستنزاف التي انطلقت في اعقاب حزیران 1967.

انتاج ھذا العمل الكبیر یأتي في أكثر الاوقات خطورة وحساسیة فالأمة العربیة تعیش حالة من النزاع والتصدع والشكوك في نوایا القادة والحكام واستعدادھم للتعاطي مع العدو الصھیوني والمشاركة الضمنیة في مخططات تصفیتھا في تزاید. كما یحتاج المواطن العربي الذي تآكلت ھویتھ وحوصرت احلامھ الى ما قد یبعث على اعادة الاعتبار واسناد الروح المعنویة والحفاظ على قیم الشجاعة والتضحیة والاعتزاز.

بعد غیاب ھذا النوع من الافلام الملحمیة تعود السینما المصریة لتقدم فیلما بطولیا یتناول فصلا مھما من فصول الحیاة المصریة ودورھا في الصراع العربي الاسرائیلي ولیوثق المعاناة التي عاشھا الجیش والشعب اثناء حرب حزیران و البطولات والتضحیات التي قدمھا الجیش المصري الذي اعید بناء قواتھ واستنھضت في صفوف قواتھ الروح القتالیة لیثأر لشرفھ وشعبھ وتاریخھ في عملیة نوعیة یلتف فیھا الجنود والشعب والقیادة حول العلم والامة فیحققون انتصارا خارقا بفضل الاصرار والعزیمة والاستعداد اللامتناھي للتضحیة.

في العمل الذي قام ببطولتھ النجم العربي احمد عز وایاد نصار وقام على اخراجھ شریف عرفة الكثیر من القیم والمشاھد والاداء الجمیل الذي یظھر حرفیة نجومنا ورقي مواھبھم لكن القصة والاحداث والسیناریو یحتاج الى كثیر من المراجعة، فقد استھل الفیلم ولأكثر من عشر دقائق بمشاھد وحوارات بین القیادات الاسرائیلیة في حین أنھ تجنب الاشارة الى القیادات العربیة على الطرف الآخر وعن كیفیة اتخاذ قرارات الحرب واسباب الھزیمة مصورا آثار الھزیمة دون المرور على اسبابھا الا بإشارات باھتة وبعیدة كذكر اسم المشیر والقیادات السیاسیة وبعض الومضات لعبدالناصر بعیدا عن اسباب الحرب ومجریاتھا وتعامل الزعامات مع آثارھا.

صحیح ان الفیلم حربي یتحدث عن الشخصیة المصریة والحس العمیق لإنسانھا بالكرامة ودوافع الشباب للاستبسال والقتال والأثر التدمیري للھزیمة على نفوس ومعنویات الضباط والجنود وعلاقاتھم بالأھالي لكن الحوارات والاستعدادات للعملیات لم تخل من الفانتازیا والخیال الذي بدا في عشرات المشاھد وجعل القصة تبدو مختزلة وسریعة وغیر مقنعة تماما.

في الجانب العملیاتي للفیلم لم تكن المعدات والتجھیزات التي حملھا تشكیل الضباط والجنود مكافئة للانجازات التي حققھا الجنود ولم یكن ھناك مبررات كافیة ومقنعة لإدخال مشاھد الخلاف حول الاستمرار بالعملیة والزواج المبكر للجندي ھلال قبل ان تجف دماء رفاقھ فقد بدت المشاھد اقرب الى الخیال منھا للحقیقة ونزعت من العمل الكثیر من جلالھ وقدسیتھ.

المشاھد الانسانیة ومشاعر الحب والوفاء والأبوة والخوف على السمعة والانتماء للوطن التي جسدھا الابطال أغنت العمل وجمالیاتھ لكن المبالغة في تصویر سذاجة وقلة جاھزیة واستعداد الاعلامي المرافق للمقاتلین ھزت الصورة الجلیلة للحدث وابرزت عناصر الارتجال في القرار والتنفیذ.

أیا كانت الملاحظات فما من شك أن العمل كبیر قام علیھ العدید من عمالقة الكتابة والاخراح والتمثیل فأعادوا للسینما العربیة بعدا كاد أن یختفي من اعمالھا فقد نجح الفیلم في شحن مشاعر المشاھد العربي وتوجیھ انظاره نحو الارض والعدو والتضحیة.