الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

صف كلام ..



الغباء؛ من أسوأ أشكال الفساد، وفي الوقت الذي يعتقد كثيرون بان الفساد يتمثل بفساد الضمير، فإن الحقيقة الأدهى والأخطر تكمن في فساد العقول.. لأن مثل هذا الفساد يروج التفكير الفاسد والثقافة الوضيعة، ويسود الانحلال ولا أعني فقط الانحلال الأخلاقي.اضافة اعلان

الجهل بالحقيقة، والقانون، نراه جليا في الأخبار التي تلمع ثم تنطفىء وتصبح نسيا منسيا، وقبل أيام، شاهدت فيديو انتجته إذاعة جادة وملتزمة، وهي إذاعة أمن إف إم، التابعة للأمن العام، تناولت فيه قصة كفاح ثم نجاح بل تفوق طالبة من جرش، من عائلة بسيطة «مثل عائلتي»، لكن الفرق أنني أسكن عمان ولا يمكن أن أملك شلية أو قطيع غنم وأقوم بتربيته في الجبيهة، علما أنني كل يوم أشاهد شلية غنم او أكثر في الجبيهة، لكنني أتحدث عن محافظة جرش، وعن الطالبة (ذكى الحراحشة)، التي حصلت على معدل 99% في التوجيهي العلمي، وجاءت الأولى على طلبة التوجيهي في جرش.. وذكرت الطالبة وأمها بأن البنت المجتهدة، كانت تدرس وتساعد أهلها في عملهم، حيث يملكون غنما، وثمة عمل يومي منظم لرعاية الأغنام، وكانت الطالبة تساعد أمها في هذا العمل.. مبروك للبنت المجتهدة وللعائلة المكافحة.

الجهل بالقوانين والتعليمات انطلق منذ أمس وما زال، وبإمكانكم التأكد الآن، فما عليكم سوى تصفح الأخبار والتعليقات والتحليقات والنضالات والاستعراضات و»صف الحكي»، لتدركوا حجم هذا الجهل، فكلهم تقريبا يتحدثون عن كرم وإنسانية جهة غير معلومة، (تعاطفت) مع ظروف الطالبة المجتهدة الفقيرة، فمنحتها مقعد طب في جامعة العلوم والتكنولوجيا، وفي الكلام المصفوف امنيات وتوقعات بأن هذه الجهة غير المعلومة تتلطف وتتعطف وتعطي البنت المتفوقة منحة.. وكله كلام وامنيات و»تسفيط» كلام، يؤكد بأن كل من تحدثوا وتناقلوا الخبر يجهلون الحقيقة والقانون والتعليمات، ويصادرون حق الطالبة المجتهدة، وأن تحصيلاتها جاءت تعاطفا ومكافأة شخصية.

بينما الحقيقة الغائبة، هي من مسؤولية وزارة ووزير التعليم العالي، حيث كان يجب على الوزارة ان تتدخل وتصدر خبرا يقول: لا فضل لأحد على الطالبة ذكى الحراحشة، ودون انتظار لأية نتائج من القبول الموحد وقبل إعلان أي قائمة، فهذه الطالبة حازت الترتيب الأول على محافظة جرش في الفرع العلمي، وهي بهذا استحقت مقعد طب او اي اختصاص تريده في أية جامعة حكومية و»منحة كاملة» على حساب وزارة التربية والتعليم، أو وزارة الصحة في حال كان المقعد في كلية الطب، فهو حقها بموجب التعليمات والقوانين والأعراف.
الجهل المطبق في الميديا والسوشال تبعها، يقود الجميع الى مزيد من جهل، ويفسح المجال كبيرا أمام الإدارات الغبية، فتضيع الفكرة والحقيقة، ولعل هذا ما يريده الفاسد سواء أكان فساده ناجما عن إعاقة عقلية أو متأصلة في ضمير منحرف.
كل المشهد في قبضة غباء وفوضى السوشال ميديا، ولا مكان للكبار ولا للعقلاء ولا للفكرة والعقل.. ولن يطول انتظارنا لنواجه الجدار وعندئذ سنعلم بأننا لا نسير للأمام..فلا مستقبل مع الأغبياء.